المبيدات الحشرية ترفع نسب السرطان وتتسبب في ظهور اختلالات في الجهاز المناعي للإنسان

يرى دومينيك بيلبوم، أستاذ مرض السرطان في جامعة باريس الخامسة أنه، منذ الحرب العالمية الثانية، تضاعف عدد الفرنسيين المصابين بالسرطان ليصل عددهم إلى 150 ألف مريض سنويا، ولم يعد التدخين مسؤولا سوى عن 30 ألف إصابة، فيما تتوزع باقي الإصابات على العوامل المرتبطة بالتدهور الذي تشهده البيئة، ليصبح السرطان بمثابة «مرض الحضارة». تمت معاينة هذه الظاهرة في الدول الصناعية والأمراض التي ساهم الإنسان بشكل كبير في تفشيها، ولم تعد العوامل الطبيعية مسؤولة عن ظهور الاضطرابات القلبية وأمراض العقم الذكوري ومرض السكري والصرع التي تتسبب فيها عوامل صناعية، مما يعني أن بقاء الإنسان على وجه الأرض سيكون على المدى القريب أهم مشكل يواجهنا.

شكل انتشار أمراض السرطان إنذارا تحذيريا للإدارة الأمريكية في عهد الرئيس جورج بوش الأب، ودعا العلماء إلى تخفيض استعمال المبيدات الحشرية في البيئة، وهو ما لاقى معارضة اللوبيات الصناعية في الولايات المتحدة الأمريكية بعد توصلهم بالتقارير التحليلية التي أعدها الباحثون، الشيء الذي يطرح وجهين متناقضين، فمن جهة لم يلتزم المسؤولون الأمريكيون باتفاقية «وينغسبيد» واستمرت المصانع الأمريكية في تلويث الأجواء، ومن جهة أخرى لم تتعرف أوروبا وفرنسا على مضامين هذه الاتفاقية لأنه لم يسمح بنشرها في وسائل الإعلام.
تبني هذه الاتفاقية خطوطها الكبرى على تحليل العديد من التجارب التي تم إجراؤها على الحيوانات، رافقتها دراسات موازية شملت الإنسان أيضا. ونجحت اختصاصية التكاثر نيلز شايبيك عام 1992 في تجميع أزيد من 61 دراسة أنجزت ما بين 1938 و1990 في العديد من دول العالم، وركزت على دراسة الخصوبة لدى الإنسان في مجموعة من المناطق الصناعية حول العالم. كشفت هذه التجارب أن عدد الحيوانات المنوية في المني انخفض بنسبة 50 في المائة عما كان عليه سنة 1938، وعانت النسبة المتبقية من الحيوانات المنوية من ارتفاع حالات العيوب الخلقية. ما سبب هذه التشوهات الغريبة؟ ما زال العلم لم يجد الجواب بعد.
وينضاف إلى هذه الملاحظة الأولية ارتفاع حالات سرطان الخصية بثلاثة أضعاف لدى الشباب في الدول الصناعية، إضافة إلى تزايد التشوهات التي تصيب الخصية لدى المواليد الجدد. ويرتبط العقم في الغالب بهذه العيوب مما يرفع نسب الإصابة بالسرطان، إذ تبين أن الإصابة يرافقها انخفاض تركيز الحيوانات المنوية في السائل المنوي والتشوهات الوراثية للجهاز التناسلي لدى الطفل، وهي نفس الملاحظات التي تمت معاينتها لدى التماسيح في الولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى ظهور السرطان لدى أنواع من السمك ظلت سليمة منها طيلة خمسين عاما.
إن هذه المعاينات تشير إلى أن ما يصيب الحيوان يصيب الإنسان أيضا، لأن الإنسان من وجهة نظر تطورية، يشبه باقي الكائنات رغم قدراته الشعورية والإدراكية. أهم خطر يهدد صحة الإنسان اليوم هي المبيدات الحشرية، ويتركز الخطر حول الجزيئات البيولوجية التي تبدو ظاهريا غير مضرة وهي من مكونات النباتات التي نتناولها ويستهلكها قطيع الماشية، مما يجعل الإنسان طرفا في السلسة الغذائية، ويزداد تركيز هذه الجزيئات داخل الأنسجة أكثر فأكثر كلما انتقلت من كائن إلى آخر. وتسمح ظاهرة التراكم البيولوجي إلى خلق مساحات مركزة بشكل أكبر تنتقل بين أطراف السلسلة الغذائية وقد يصل عددها إلى الملايين من الجزيئات.
ويرفع الإنسان من نسب تركيز المبيدات الحشرية داخل النسيج الدهني الذي ينتشر في الجسم بسرعة، مما يؤدي إلى انتشار المبيدات الحشرية في حليب الأم، مما يعني أنها لا تعدي فقط الجنين خلال فترة الحمل، لكنها تنتقل أيضا إلى الطفل حتى بعد ولادته وأثناء عملية الإرضاع. وتنتقل العدوى من الأم التي تناولت الفواكه والخضر أو اللحوم الملوثة بهذه المبيدات الحشرية إلى طفلها بعد ولادته. ومن المعلوم أن المبيدات الحشرية تؤدي إلى ظهور اختلالات في الجهاز المناعي، إضافة إلى ظهور مجموعة من الالتهابات. ويوجد في العالم حوالي 50 ألف طفل مصاب بهذه الأعراض.
استخدمت الدول الأوروبية خلال الحرب العالمية الثانية عددا من المبيدات الحشرية الغنية بمادة الكلور بكميات كبيرة، ومازالت هذه الجزيئات موجودة في الماء والهواء خصوصا داخل عدد من مناطق العالم التي تم رشها بهذه المواد، وهي تنتقل عابرة آلاف الكيلومترات، وقد عثر عليها في القطب الشمالي وانتقلت العدوى لتصيب الفقمات والأسماك.
ويعد التلوث الجلدي من بين أشكال التلوث المعروفة، وتتسبب فيها بالأساس الإشعاعات وبعض المواد الكيميائية. وخلفت كارثة تشيرنوبيل وعدد من الحوادث النووية الأخرى مجموعة من الأمراض أخطرها السرطان واللوسيميا والعقم والتشوهات التناسلية ولكن يبقى من الصعب إثبات هذه الأمراض علميا.
إن الأشعة فوق البنفسجية التي ترسلها الشمس إلى كوكب الأرض هي أحد أخطر الإشعاعات على الجسم البشري الذي تعود عليها منذ القدم وتكيف معها. وتسبب هذه الأشعة شكلين من السرطان: الايبتيليوما والميلونوم، وقد ارتفع عدد الإصابات بهذين المرضين بشكل ملفت في السنوات الأخيرة. ويمتص جلد الإنسان كميات كبيرة من الأشعة فوق البنفسجية مقارنة بما كان عليه الأمر قبل خمسين عاما بسبب اتساع ثقب الأوزون، مما يعني أننا أقل حماية كما كنا عليه في الماضي. لقد أصبحنا الآن في قلب متلازمة: الصحة والبيئة لأن التغييرات التي أدخلناها على بيئتنا هي المسؤولة عن الأمراض التي نعاني منها الآن.
لا يجد العلماء أدلة تفسر أننا أكثر حساسية للأشعة فوق البنفسجية رغم أننا نتعرض للشمس باستمرار، كما أن تسمير البشرة يُعد بمثابة صيحة في مجال التجميل في مجتمعاتنا. لا يجب أن ننسى أنه في الماضي كان عدد الفلاحين كبيرا، ورغم ذلك تم تسجيل إصابات أقل بمرض سرطان الجلد. موضة تسمير البشرة إذن لا تقف وراء الإصابات المتزايدة بسرطانات الجلد، بل يوجد نقص في وعي المجتمع بخصوص هذا الموضوع، فنحن نعلم جيدا أن الأشعة فوق البنفسجية تسبب السرطانات، لكننا نسمح بالمقابل بازدياد عدد المراكز الاصطناعية لتسمير الجلد، مما يخفض من فرص الوقاية من هذه الأمراض. علينا أن نقوم بإغلاق هذه المراكز التي يدفع فيها الناس أموالهم لكي يدمروا صحتهم، واستمرار جهلهم بأخطار هذه المراكز سيعزز تكريس هذه الممارسة الخطيرة أكثر. 

 

إعداد وترجمة - سعاد رودي