الخميس، 14 يناير 2010

باراك أوباما: زعيم بلا قضية

ترجمة بشار الخطيب
في الشهر الماضي، لم يُقتل جنود أمريكيون في العراق. وتراجع معدل البطالة قليلا، وأنهت بورصة الأسهم العام بارتفاع، ولم ينْهَر النظام المالي، كما أخذت الشركات الثلاث الكبرى في ديترويت تتعافى من الأزمة الاقتصادية. ومع ذلك، بدأ إجماع يتشكل على أن تجربة باراك أوباما -الذي هو إما مسؤول عن هذا التحسن أو كان يترأسه فحسب- هي تجربة فاشلة.
والأكثر من ذلك أن هذا الإجماع مدعوم بالأرقام والإحصائيات. وأظهرت استطلاعات الرأي، وفقا لتقارير مؤسسة «راسموسن ريبورتس»، تراجع معدلات شعبية الرئيس بمعدل نقطتين في دجنبر، بينما زادت الأصوات الرافضة له بمعدل نقطة. وقد بدأ أوباما عام 2009 حائزا على قبول قوي من 43 ٪ من الأمريكيين لأدائه، بينما أنهى العام و26 ٪ فقط يساندونه بشكل قوي. ووفقا لأي قراءة لهذه الاستطلاعات، فإن هذا العام لم يكن عاما جيدا بالنسبة إلى أوباما.
فمن اليسار، يتعرض الرئيس لانتقاد لاذع بسبب تشريعات الرعاية الصحية التي لا تتضمن خيارا عاما، وعدم إرسال مسؤولي التأمينات إلى جوانتانامو. ومن اليمين، يتعرض للهجوم بسبب تطبيق الحلول الاشتراكية على الاقتصاد، وإنشاء لجان الموت (عبر تخفيض تكلفة الرعاية الصحية لكبار السن وأصحاب الأمراض المستعصية)، والسماح لأحد النيجيريين المهووسين بحشو ملابسه الداخلية بالمتفجرات والطيران إلى ديترويت.
وفي السياسة الخارجية، خيَّب أوباما آمال مشجعيه من اليسار بسبب تصعيد الحرب في أفغانستان، ومن اليمين بسبب عدم تصعيدها على نحو كاف. ولا يزال معتقل جوانتانامو الذي تعهد بإغلاقه مشرعا. كما أيد حقوق الشواذ جنسيا، ولكنه سحب تعهده بإلغاء قانون طرد المثليين والمثليات من الخدمة العسكرية. أوباما يتردد ويراوغ، ويتأرجح بين التغيير! والأمل! ولكن ليس هناك تغيير كبير، وليس هناك الكثير من الأمل.
يرى البعض أن موقفه ضعيف في ما يتعلق بالبيئة، لكنه قوي جدا في رأي البعض الآخر. فهو يبدي مظهرا مخادعا يتسم بالغموض. وهو يتشاور كثيرا مع حلفائنا، وينحني عندما ينبغي أن ينتفض، كما أنه لم يجلب السلام إلى الشرق الأوسط، تماما مثله مثل جورج دبليو بوش، كما تذكرون.
يُعتبر الكثير من هذا النقد غبيا. فلو نجح الحزب الجمهوري في الانتخابات لكانت البلاد الآن قد انحدرت إلى نظام المقايضة، ووصل معدل البطالة إلى ما يزيد على 25 في المائة. فالأمر ببساطة هو أنه لا يوجد برنامج اقتصادي للحزب الجمهوري، وحتى جورج دبليو بوش يعرف ذلك. وعندما وصلت الأمور إلى مرحلة حرجة، تخلى عن إيديولوجيته واستخدم أموال الحكومة لإنقاذ المؤسسات المالية.
لكن السبب في بدء تصاعد انتقادات الحزب الجمهوري أن أوباما يمكن أن يتحول إلى أي شيء يريده منتقدوه. فهو رجل ضعيف من ناحية الالتزام الإيديولوجي، فهو صلصال ترك للآخرين تشكيل صورته. وليس لديه خط أساسي ثابت. ولا يرجع ذلك إلى أنه ليس شخصا جيدا أو ذكيا، بل إلى كونه يفتقر إلى الإيديولوجية في عالم سياسي يحكمه أصحاب الأصوات الإيديولوجية القوية.
ويواجه البيت الأبيض مشكلة سياسية كبرى، فالسنة الأولى لأوباما لم تكن سيئة، ومع ذلك شعر بالمعاناة. ويتوقع أن تكون السنة المقبلة أسوأ من التي سبقتها. فمن المتوقع أن ترتفع أعداد الوفيات في أفغانستان، وتتفاقم مشكلة البطالة، وسوف يزداد الدين العام، وسوف تتعرض حكومات الولايات والبلديات في جميع أنحاء البلاد للإفلاس، وتلجأ إلى واشنطن من أجل المساعدة. كما ستشتعل البلاد بالغضب، والسيد رابط الجأش في البيت الأبيض لا يرقى إلى مستوى دردشات روزفلت بجوار المدفأة... فقد وُلِد ليكون مدوِنًا.
يحب الصحفيون الاعتقاد بأنهم إذا حصلوا على انتقادات منْ كلٍّ منَ الجانبين، فإنهم بالضرورة يفعلون الصواب. وهذا ليس صحيحا في رأي الصحفيين، فربما فهموا القصة بشكل خاطئ، وهو بالتأكيد ليس صحيحا في رأي الشخصيات السياسية. وفي حالة أوباما، فمن سوء حظه أن يكون زعيما بلا قضية.
فهو يريد قانونا للرعاية الصحية. لماذا؟.. ربما لتغطية من لا يتمتعون بغطاء التأمين الصحي.. وربما لكبح جماح شركات التأمين.. وربما لتخفيض التكاليف.. الأهم هو الحصول على مشروع قانون، أيّ مشروع قانون. وهذه ليست قضية، بل هي مجرد خطوة بسيطة على الطريق.
ويمكن أن يكون أوباما رئيسا عظيما. فقد حقق الكثير بالفعل وربما أنقذ البلاد من الخراب المالي، وربما أنقذ صناعة السيارات. ربما، وربما.. غير أن أرقام شعبيته تنخفض بينما ترتفع إنجازاته. فهو البطل الشعبي جوني أبلسيد صاحب التنافر المعرفي المنعزل تماما إلى حد أنه عندما يفوز يبدو أنه يفوز لشخصه فقط. فاستطلاعات الرأي تقيس أداءه، بينما الشعراء يصفونه. الأمر الذي أدركه قديما الشاعر الإيرلندي الكبير وليام بتلر ييتس، عندما قال: «يفتقر أفضل الناس إلى القدرة على الإقناع، بينما أسؤوهم مفعمون بحدة العاطفة».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق