قبل استلام الرئيس الأمريكي باراك أوباما مقاليد الحكم منذ حوالي سنة، كتب الكثيرون، ومنهم كاتب هذا المقال، أن نظام الحكم في واشنطن، والذي يهيمن عليه ثالوث المال والصناعة والعسكر والذي تضع المكياجَ على وجهه شبكةٌ إعلامية مترامية الأطراف ومملوكة أو تابعة لذلك الثالوث.. (أن نظام الحكم ذاك) سيكون أقوى من النوايا الحسنة ومن أحلام اليقظة لأي رئيس، بل وأقوى من إدارة أية موجة شعبية حملت ذلك الرئيس إلى الحكم. ذلك أن جميع خيوط اللعبة الديمقراطية، اللاًّبسة لألف قناع مضلّل والملتفة حول رقبة كل رئيس، هي في قبضة ذلك الثالوث الفولاذية.
من هنا فإنه لم يكن مفاجئاً أن تنفجر الفضائح تلو الفضائح في وجه الرئيس الجديد. فلقد وعد ذلك الرئيس بإغلاق سجن غوانتانامو خلال سنة، ولكن السجن لا يزال باقياً وشاهداً على السقوط الأخلاقي المذهل لبلد القانون.
ووعد الرئيس بألا تتعامل بلاده مع بلدان العرب والمسلمين ومع عرب ومسلمي أمريكا نفسها بأيِّ تحيُّز أو انتقائية أو عدوانية حقوقية، ولكن ها هو يتكلم وكأن روح الشرِّ البوشية قد تقمَّصته، وتوجِّه أجهزتـُه الأمنية الاتهامَ المسبق إلى كلِّ مواطن في أربع عشرة دولة عربية وإسلامية، ويستفرد بهم في مطارات بلده ليقفوا في صفوف التفتيش البشع كمجرمين وقطَّاع طرق، منكَّسي الرأس ومنبوذين.
ومنذ عدد قليل من الأيام برّأت إحدى محاكم بلاده خمسة مجرمين من مجنّدي إحدى شركات المرتزقة الأمريكية، مع أن القاصي والدّاني يعرفان أن أياديهم ملطًّخة بدماء عدد من العراقيين المدنيين الأبرياء.
ومنذ يومين، صدر تقرير صندوق النقد الدولي ليشتكي من أن بعض الدول الكـبرى (وهل هناك أكبر من الولايات المتحدة الأمريكية؟) مارست ضغوطاً على موظّفي الصندوق ليغيِّروا بعض الأرقام ويتلاعبوا ببعض الاستنتاجات الاقتصادية والمالية بشأن بلدانهم. ولا يحتاج الإنسان إلى عبقرية ليعرف أن الصندوق وموظفيه كانوا خاتماً في الإصبع الأمريكي عبر تاريخ هذه المؤسسة في تمثيل الرأسمالية العولمية المتوحِّشة وفرض إيديولوجيتها على فقراء وضعاف العالم الثالث.
ومنذ فترة وجيزة، أعلن الرئيس الأستاذ الجامعي القانوني شرط توقُّف البناء الاستيطاني الصهيوني لبدء المفاوضات بين السلطة الفلسطينية في رام الله والسلطة الصهيونية في فلسطين المحتلًّة، ولكن تبيّن أن الثالوث الأمريكي، الممسوكة رقبته من قبل قوى الصهيونية الأمريكية وقوى الأصولية المسيحية الأمريكية المتعاطفة والمتشابكة معها، أعطى الضوء الأخضر لأن يتمّ التراجع عن وعد الرئيس، وإذا بالكونغرس الأمريكي يعلن المرة تلو المرّة رفضه لوضع أيّ ضغط، من أي نوع كان، على الكيان الصهيوني، فيجد الرئيس الأمريكي نفسه يقف عارياً وبالعاً ما وعد به. والواقع أن الأمثلة المماثلة لا تعدُّ ولا تحصى.
إذن، هناك خلل كارثي في المؤسسة السياسية الأمريكية لن يصلحه مجيء رؤساء من أمثال الرئيس الراحل جون كندي أو الرئيس الأستاذ الحالي باراك أوباما. هذا الخلل المفجع إنسانياً أصبح يشكّل مشكلة عالمية حقيقية تحمل الأخطار والمفاجآت لكل الإنسانية. فإذا كانت الشعارات الثلاثة الكبرى التي رفعتها أمريكا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، متمثِّلة في الديمقراطية ونظام السوق الحر واحترام حقوق الإنسان، قد ثبت زيف بعضها أحياناً أو فساد وفشل بعضها أحياناً أخرى، فما الذي بقي من أمريكا النظام العالمي الجديد الذي دشّنه الرئيس الأب بوش منذ عشرين سنة؟ وهل هناك أيُّ دلائل على أن النظام الأمريكي الحاكم قادر على مراجعة نفسه في المستقبل المنظور؟ الجواب مع الأسف هو بالنفي، والإثبات هو في مئات الكتب التي نظرت في تاريخ هذه الدولة المفجوعة بجهل وغباء وفساد نخبها الحاكمة، على الأقل عبر القرن الماضي بكامله. لم يبق مكان في العالم إلا وارتكبت أمريكا في حقـّه أنواعاً من الأخطاء تتراوح بين سوء الفهم والاستباحة والظلم الإجرامي. ولعلّ أفضل من يكشف تلك الآثام والخطايا هو الكتب التي كتبت عن ممارسات الـ«سّي.آي.إيه» وممارسات الـ«إف.بي.آي» كرديفين لحماقات المؤسستين العسكرية والسياسية.
في السّبعينيات من القرن الماضي، قال رجل الصّناعة الأمريكي سايروس إيتون: إنني أقلق عندما أرى دولة تقنع نفسها بأن عظمتها تأتي من خلال أنشطة رجال بوليسها «أمريكا اليوم أصبحت أسيرة نظام سياسي هو بوليسي في تفكيره وتصرُّفاته، ومسكينٌ الشعبُ الأمريكي الطيِّب الرقيق، إذ إنه لا يستحق هذا المصير الكارثي الأسود».
من هنا فإنه لم يكن مفاجئاً أن تنفجر الفضائح تلو الفضائح في وجه الرئيس الجديد. فلقد وعد ذلك الرئيس بإغلاق سجن غوانتانامو خلال سنة، ولكن السجن لا يزال باقياً وشاهداً على السقوط الأخلاقي المذهل لبلد القانون.
ووعد الرئيس بألا تتعامل بلاده مع بلدان العرب والمسلمين ومع عرب ومسلمي أمريكا نفسها بأيِّ تحيُّز أو انتقائية أو عدوانية حقوقية، ولكن ها هو يتكلم وكأن روح الشرِّ البوشية قد تقمَّصته، وتوجِّه أجهزتـُه الأمنية الاتهامَ المسبق إلى كلِّ مواطن في أربع عشرة دولة عربية وإسلامية، ويستفرد بهم في مطارات بلده ليقفوا في صفوف التفتيش البشع كمجرمين وقطَّاع طرق، منكَّسي الرأس ومنبوذين.
ومنذ عدد قليل من الأيام برّأت إحدى محاكم بلاده خمسة مجرمين من مجنّدي إحدى شركات المرتزقة الأمريكية، مع أن القاصي والدّاني يعرفان أن أياديهم ملطًّخة بدماء عدد من العراقيين المدنيين الأبرياء.
ومنذ يومين، صدر تقرير صندوق النقد الدولي ليشتكي من أن بعض الدول الكـبرى (وهل هناك أكبر من الولايات المتحدة الأمريكية؟) مارست ضغوطاً على موظّفي الصندوق ليغيِّروا بعض الأرقام ويتلاعبوا ببعض الاستنتاجات الاقتصادية والمالية بشأن بلدانهم. ولا يحتاج الإنسان إلى عبقرية ليعرف أن الصندوق وموظفيه كانوا خاتماً في الإصبع الأمريكي عبر تاريخ هذه المؤسسة في تمثيل الرأسمالية العولمية المتوحِّشة وفرض إيديولوجيتها على فقراء وضعاف العالم الثالث.
ومنذ فترة وجيزة، أعلن الرئيس الأستاذ الجامعي القانوني شرط توقُّف البناء الاستيطاني الصهيوني لبدء المفاوضات بين السلطة الفلسطينية في رام الله والسلطة الصهيونية في فلسطين المحتلًّة، ولكن تبيّن أن الثالوث الأمريكي، الممسوكة رقبته من قبل قوى الصهيونية الأمريكية وقوى الأصولية المسيحية الأمريكية المتعاطفة والمتشابكة معها، أعطى الضوء الأخضر لأن يتمّ التراجع عن وعد الرئيس، وإذا بالكونغرس الأمريكي يعلن المرة تلو المرّة رفضه لوضع أيّ ضغط، من أي نوع كان، على الكيان الصهيوني، فيجد الرئيس الأمريكي نفسه يقف عارياً وبالعاً ما وعد به. والواقع أن الأمثلة المماثلة لا تعدُّ ولا تحصى.
إذن، هناك خلل كارثي في المؤسسة السياسية الأمريكية لن يصلحه مجيء رؤساء من أمثال الرئيس الراحل جون كندي أو الرئيس الأستاذ الحالي باراك أوباما. هذا الخلل المفجع إنسانياً أصبح يشكّل مشكلة عالمية حقيقية تحمل الأخطار والمفاجآت لكل الإنسانية. فإذا كانت الشعارات الثلاثة الكبرى التي رفعتها أمريكا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، متمثِّلة في الديمقراطية ونظام السوق الحر واحترام حقوق الإنسان، قد ثبت زيف بعضها أحياناً أو فساد وفشل بعضها أحياناً أخرى، فما الذي بقي من أمريكا النظام العالمي الجديد الذي دشّنه الرئيس الأب بوش منذ عشرين سنة؟ وهل هناك أيُّ دلائل على أن النظام الأمريكي الحاكم قادر على مراجعة نفسه في المستقبل المنظور؟ الجواب مع الأسف هو بالنفي، والإثبات هو في مئات الكتب التي نظرت في تاريخ هذه الدولة المفجوعة بجهل وغباء وفساد نخبها الحاكمة، على الأقل عبر القرن الماضي بكامله. لم يبق مكان في العالم إلا وارتكبت أمريكا في حقـّه أنواعاً من الأخطاء تتراوح بين سوء الفهم والاستباحة والظلم الإجرامي. ولعلّ أفضل من يكشف تلك الآثام والخطايا هو الكتب التي كتبت عن ممارسات الـ«سّي.آي.إيه» وممارسات الـ«إف.بي.آي» كرديفين لحماقات المؤسستين العسكرية والسياسية.
في السّبعينيات من القرن الماضي، قال رجل الصّناعة الأمريكي سايروس إيتون: إنني أقلق عندما أرى دولة تقنع نفسها بأن عظمتها تأتي من خلال أنشطة رجال بوليسها «أمريكا اليوم أصبحت أسيرة نظام سياسي هو بوليسي في تفكيره وتصرُّفاته، ومسكينٌ الشعبُ الأمريكي الطيِّب الرقيق، إذ إنه لا يستحق هذا المصير الكارثي الأسود».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق