الخميس، 14 يناير 2010

الشيخوخة والوراثة لا تتسببان في الإصابة بمرض السرطان والبيئة الملوثة ترفع نسب المرض

إعداد وترجمة: سعاد رودي
يرى دومينيك بيلبوم، أستاذ مرض السرطان في جامعة باريس الخامسة أنه، منذ الحرب العالمية الثانية، تضاعف عدد الفرنسيين المصابين بالسرطان ليصل عددهم إلى 150 ألف مريض سنويا، ولم يعد التدخين مسؤولا سوى عن 30 ألف إصابة، فيما تتوزع باقي الإصابات على العوامل المرتبطة بالتدهور الذي تشهده البيئة، ليصبح السرطان بمثابة «مرض الحضارة». تمت معاينة هذه الظاهرة في الدول الصناعية والأمراض التي ساهم الإنسان بشكل كبير في تفشيها، ولم تعد العوامل الطبيعية مسؤولة عن ظهور الاضطرابات القلبية وأمراض العقم الذكوري ومرض السكري والصرع التي تتسبب فيها عوامل صناعية، مما يعني أن بقاء الإنسان على وجه الأرض سيكون على المدى القريب أهم مشكل يواجهنا.

يؤمن العديد من الناس بفكرة شائعة مفادها أن أخطار الإصابة بالسرطان ترتفع نسبتها عندما يعاني أحد أفراد الأسرة من نفس المرض، وهذه مشكلة أخرى يجب تفسيرها بشكل أوضح. هناك عاملان رئيسيان يساهمان في ظهور مرض السرطان: عوامل خارجية مرتبطة أساسا بالبيئة التي يعيش فيها الشخص، وعوامل باطنية ذات طبيعة وراثية. وتوجد لدى بعض العائلات مورثات خاصة، يطلق عليها الأطباء المورثات الحساسة للسرطان، وحتى في هذه الحالة، تتدخل البيئة أيضا وتلعب دورا في ظهور السرطان. وتندمج العوامل المُسَرطنة الموجودة في البيئة، والتي أطلقنا عليها عوامل خارجية، مع المورثات مما ينتج عنها ظهور طفرات هي السبب الحاسم في ظهور السرطان.
إن معظم السرطانات المعروفة والشائعة لا تنتقل عن طريق الوراثة، وإنما تكون حالات فردية لا علاقة للوراثة بها، ولكن الأبحاث أثبتت دور الوراثة في بعض الأورام، وأهمها ورم الشبكية في العين التي تورث في أغلب الأحيان من الأب لأبنائه وليس بالضرورة إلى جميعهم وهي تصيب العينين معاً.
عندما توجد المورثات القابلة للتسرطن، فإن خطر نشوء السرطان في وجود بيئة ملائمة لذلك يكون مرتفعا جدا، وهو ما أثبتته دراسة أمريكية حديثة حول سرطانات الثدي. وأصيب ربع النساء الحاملات لهذه المورثات، واللواتي ولدن قبل الحرب العالمية الثانية, بالسرطان، فيما ظهر السرطان لدى ثلث النساء اللواتي ولدن بعد الحرب العالمية الثانية. وهو ما يوضح بما لا يدع مجالا للشك أن نمط الحياة العصرية والتلوث البيئي، الذي بدأ منذ 1945، ساهما في ظهور أمراض السرطان.
تنتقل المورثات الحساسة للسرطان عبر الوراثة، لهذا يجب أن نعترف أن عددا من الأمراض السرطانية وراثية، لكنها نادرة الحدوث ولا تمثل سوى 5 في المائة من مجموع أمراض السرطان، وما عرض المجال للخلط بين الناس هو أن السرطان أصبح مرضا يظهر بوتيرة كبيرة بين الناس، فلا توجد عائلة إلا ويعاني أحد أفرادها من السرطان، دون أن يعني هذا أن كل السرطانات تنتقل وراثيا.
يتأكد ضلوع الوراثة في الإصابة بالسرطان بظهور حالات متعددة لنفس النوع من المرض في نفس العائلة، إضافة إلى اكتشاف وجود المورثات الحساسة للسرطان. وإذا كان أحد أفراد العائلة يحمل مورثة أو مورثات حساسة، فإن خطر نشوء سرطان وراثي يكون كبيرا جدا، لهذا يتعين مراقبة هؤلاء الأشخاص داخل
المستشفى.
المورثات يتم توقيفها في حالة الخلية السرطانية لأنها تعارض تكوينها عن طريق تصحيح أي أخطاء في نسخ الحمض النووي، وتراقب الانقسام الخلوي، وتعمل على التحام الخلايا وعدم تنقلها، كما أنها تساعد الجهاز المناعي على حماية النسيج.
السرطان ليس مرضا مرتبطا بالشيخوخة

يجب على الأطباء وباقي الأطر الطبية أن يحاربوا فكرة خاطئة يرددها الناس على نطاق واسع، والتي تقول إن ارتفاع حالات السرطان ترتبط بالتقدم في السن، أي بعبارة أخرى إن السرطان مرض الشيخوخة. وإذا كنا نجد أن عددا كبيرا من الأشخاص الذين يتجاوز عمرهم 65 سنة مصابون بالسرطان، فيجب علينا أن نفهم الأسباب الكامنة وراء ذلك. التقدم في السن وما يصاحبه من انخفاض الأنظمة المناعية للجسم لا يعني ارتفاع احتمال الإصابة بالسرطان، فالأمر مرتبط بطول مدة التعرض للعوامل المسرطنة الموجودة في البيئة المحيطة، تماما مثلما ترتفع نسبة التعرض لحادثة سير أثناء استعمال الطريق بشكل مستمر. يجب أن نستحضر ثلاثة عوامل: اضطراب المناعة يسبب العديد من الأمراض السرطانية، إضافة إلى التعرض للعوامل الملوثة السامة بشكل مستمر، وأخيرا ارتفاع أمراض السرطان لدى الأطفال والشباب.ترتكز الفكرة القائلة إن الشيخوخة هي السبب في الإصابة بالسرطان على ملاحظة صحيحة ورأي خاطئ. وباستثناء حالات السرطان النادرة الناتجة عن التهاب فيروسي، والتي تمثل حوالي 10 في المائة من مجموع الحالات السرطانية في فرنسا، فإن النسبة الواسعة للسرطان تحدث لدى الأشخاص الذين يمتلكون دفاعات مناعية سليمة. ولا توجد أي علاقة لهذا المرض الخبيث بالالتهابات البكتيرية والمناعة، وهو ما كان متداولا منذ بداية القرن الماضي حتى الآن. وكشفت التحاليل المخبرية أن الجرعات القوية المسببة للسرطان لا تتسبب في السرطان، بل التعرض لجرعات ضعيفة ومستمرة.فالتعرض مرة واحدة لجرعة قوية ومرتفعة من منتوج كيميائي لن يؤدي إلى ظهور السرطان، بل سيترتب عنها ظهور أعراض تسمم حادة، بينما التعرض لكميات ضعيفة من نفس الجرعات يوميا لمدة طويلة قد تتسبب في ظهور السرطان. وذكرت دراسة حديثة أن أكثر من 200 من المنتجات التي تدخل في صناعتها مواد كيميائية تسبب سرطان الثدي. وقال باحثون في الدراسة التي نشرت في العدد الأخير من مجلة «السرطان» إن محلول غسل الشعر وبعض المأكولات التي تدخل في إعدادها مواد كيميائية مثل البطاطس المقلية تؤدي إلى هذا المرض عند الحيوانات.
وتبين للباحثين أن 73% من هذه المواد الكيميائية إما موجودة في منتجات استهلاكية أو أطعمة ملوثة، مشيرين إلى أن 20 منها موجودة في المواد التي تضاف إلى الطعام، و35 %في الهواء الملوث الذي نستنشقه. وأضاف الباحثون أن هذه المواد الكيميائية تزيد من خطر الإصابة بالغدد السرطانية عند النساء، مشيرين إلى أن هذه «المركبات تم اكتشافها بشكل كبير في الخلايا البشرية وفي المنازل حيث تقضي النساء
أوقاتهن». واطلع الباحثون على مئات الدراسات حول تأثير المواد الكيميائية وعلاقتها بسرطان الثدي. وأعد الدراسة باحثون من عدة معاهد، منها «ذا سايلنت سبرنغ إنستتيوت» و«ومنز إنفايرومنتل هلث إنستتيوت» في نيوتن بولاية ماساشوستس، والمركز الطبي في هارفارد وغيرها من المعاهد العلمية الأمريكية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق