الثلاثاء، 5 يناير 2010

هل هذه مصر حقًا؟!

هل هذه مصر حقًا؟!

لماذا تسوِّف مصر في السماح لحملات التضامن والإغاثة بالوصول إلى غزة؟ وماذا يضيرها لو أنها مكنتها من الدخول إلى القطاع وإيصال رسالتها إلى الفلسطينيين المحاصرين هناك، ثم عودتها إلى بلادها مرة أخرى؟ ولماذا يعلن المسؤولون المصريون على الملأ أنهم لا يمانعون في استقبال تلك الحملات، ثم يضعون مختلف العراقيل أمامها بعد ذلك؟ هذه الأسئلة أسوقها ليس فقط من باب التضامن مع تلك الحملات والحماس لرسالتها النبيلة، وليس فقط تقديرا لجهد أولئك الناشطين الشرفاء الذين جاؤوا من أقاصي الدنيا لكي يساندوا شعب غزة المحاصر والأعزل، وإنما أيضا حفاظا على سمعة مصر التي أساءت إليها بشدة محاولات الصد والتثبيط والتعنت التي يتعرض لها أولئك الناشطون جراء تضامنهم مع الشعب الفلسطيني. بكلام آخر، فإننا إذا لم نيسِّر مهمة الناشطين لأسباب تتعلق بالتجاوب مع مشاعرهم النبيلة، فليكن ذلك من باب الحفاظ على سمعة مصر وتجنب التشهير بها وفضحها في وسائل الإعلام الغربية. ولا أعرف إن كان أصحاب القرار في هذا الشأن قد اطلعوا أم لا على الكتابات والشهادات التي تحدثت عن الموقف المصري إزاء عمليات التضامن مع فلسطينيي غزة في الصحف الغربية ومواقع الأنترنيت، لكن الذي أعرفه أن تلك الكتابات انتقدت ذلك الموقف بشدة، واستخدمت في ذلك أوصافا قاسية للغاية، بحيث لا يستطيع المرء أن يترجمها في أي صحيفة عربية. ورفع من وتيرة الغضب والسخط على الموقف المصري أن إجراءات العرقلة والتسويف، التي اتخذت ضد وفود المتضامنين مع غزة، تزامنت مع فضيحة السور الفولاذي الذي أعلن عن إقامته في باطن الأرض على طول الحدود مع غزة لقطع الطريق على الأنفاق وإحكام الحصار حول غزة، وهي الأجواء التي وصفها خالد الحروب الباحث في جامعة كامبريدج وأحد كتاب صحيفة «الحياة اللندنية» (27/12) بكونها «تدمر موقف وسمعة مصر: أخلاقيا وقيميا وإنسانيا وسياسيا واستراتيجيا».
لقد تحدثت قبل ثلاثة أيام عن معاناة حملة «شريان الحياة» التي نظمها النائب البريطاني جورج جالاوي، وكيف أنها ضمت أكثر من 400 ناشط من أنحاء أوربا وافقت مصر على دخولهم فوصلوا إلى ميناء العقبة ومعهم 250 سيارة محملة بالمساعدات، أملا في أن يعبروا الخليج إلى ميناء نويبع المصري «المسافة بين الميناءين 70 كيلومترا»، ولكنهم أبلغوا في وقت متأخر بأن عليهم دخول الأراضي المصرية من ميناء العريش، وهو ما صدمهم وجعلهم يحتجون ويضربون عن الطعام في العقبة. وقد اضطروا بعد ذلك إلى أن يعودوا أدراجهم إلى الأردن ثم إلى سوريا، لكي ينطلقوا من موانئها إلى العريش، وذلك كله منهك ومكلف جدا لهم ويحملهم ما لا يطيقون.
المشكلة تكررت مع حملة «الحرية لغزة» التي تضم 1400 ناشط من 43 دولة، وصلت وفودهم تباعا إلى القاهرة هذا الأسبوع، ولكن السلطات المصرية رفضت السماح لهم بالتوجه إلى رفح، وتعللت في ذلك بذرائع عدة. فعقد منظمو المسيرة مؤتمرا صحفيا وزعوا فيه بيانا ناشدوا فيه الرئيس مبارك أن يستجيب لندائهم، وتمنوا أن تقدر السيدة قرينته هدفهم الإنساني، فتطلب من زوجها السماح للمسيرة بالمرور. وقالت الناشطة الأمريكية آن رايت في المؤتمر: إنهم جمعوا عشرات الآلاف من الدولارات لشراء ملابس شتوية وأدوات مدرسية وأجهزة كمبيوتر لمدارس غزة، وإنهم دعاة سلام توقعوا أن ترحب بهم مصر وأن تدعم هدفهم النبيل، وإلى جانب هذا النداء اعتصم آخرون أمام السفارة الكندية.
المشهد مقلوب على نحو مذهل، فمن كان يتصور أن يأتي يوم يتوسل فيه الأوربيون والأمريكيون إلى القيادة المصرية أن تسمح لهم بمد يد العون إلى غزة، لكنها - صدق أو لا تصدق- تتأبى على ذلك وتتمنع!.. ألهذا الحد ذهبنا في مجاملة الأمريكيين والإسرائيليين؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق