الأميون في المغرب هم الفرنكفونيون الذين لا يتحدثون سوى الفرنسية
طنجة - عبد الله الدامون
هناك مغاربة كثيرون يتحدثون الفرنسية أحسن من الفرنسيين، لكنهم مغاربة بالقلب والدم والتفكير، وهناك آخرون يعتقدون أنهم سيحشرون يوم القيامة وفي أيديهم لوحهم المحفوظ بالفرنسية، ولهذا السبب أصبحوا يكتبون لوحات قبورهم بالفرنسية، وعليها الآية الكريمة «إنا لله وإليه راجعون».. بالفرنسية أيضا.
الفرنكفونيون الذين يؤمنون بالحساب والعقاب وعذاب القبر يعتقدون أن منكر ونكير سيوجهان إليهم الأسئلة بالفرنسية وهم داخل قبورهم، لذلك يكتبون لوحات قبورهم بلغة موليير، وربما سنسمع يوما أن أمواتا فرنكفونيين يحملون معهم إلى قبورهم قواميس تعينهم على الإجابة بفرنسية سليمة وبدون أخطاء.
الملك الراحل الحسن الثاني قال جملة يمكن اعتبارها من عيون الحكمة وصروح البلاغة. لقد قال يوما في إحدى خطبه إن من يتكلم لغة واحدة أمي. كثيرون وقتها اعتقدوا أن الرجل كان يتحدث عن أولئك الذين يتحدثون العربية دون سواها، لكن مع مرور الوقت اكتشف الناس أن الأمر يتعلق بحفنة من الفرنكفونيين الذين لا يتكلمون سوى لغة واحدة هي الفرنسية، وهي في البداية والنهاية لغة أحلامهم ومشاعرهم وتفكيرهم. إنهم أسرى لنمط تفكير واحد، وبذلك صدقت فيهم صفة الأميين. هؤلاء الأميون يحاولون أن يظهروا بعكس ما هم عليه، وعندما «يسخن لهم الرأس» لسبب من الأسباب، يبدؤون في كيل الشتائم للغة العربية ويعقدون عليها كل مآسي المغرب، مع أن الذين صنعوا مآسي هذا البلد هم الفرنكفونيون منذ ما يسمى بالاستقلال وإلى الآن.
الذين يستعملون اللغة الفرنسية في المغرب داخل منازلهم ومع أبنائهم وفي حواراتهم الخاصة أشخاص يستحقون الشفقة أكثر مما يستحقون الشتم. إنهم مجرد ضحايا يجب أن يخضعوا لعلاج في مصحات نفسية متطورة تماما كما تتم معالجة المصابين بأمراض الصرع أو انفصام الشخصية. يجب ألا نفرق بين المرضى كيفما كان نوع مرضهم.
مرة كان سائح دنماركي يجلس في مقهى في السوق الداخل بطنجة، ومرت قربه امرأة لم تتوقف عن مخاطبة طفلتها الصغيرة بفرنسية متحذلقة. ملامح المرأة تشي بأنها مغربية 100 في المائة. ضحك الدنماركي وقال إن هذه المرأة المعتوهة تذكره بتاريخ الدنمارك، لأنه، في القرنين السابع عشر والثامن عشر، كانت توجد طبقة من الدنماركيين المتحذلقين، الذين يتخاطبون في ما بينهم باللغة الفرنسية ويحتقرون اللغة الدنماركية. يومها كانت الدنمارك متخلفة ونخبتها تشبه نخبة المغرب في القرن الحادي والعشرين. وبعد عقود طويلة من الصبر انقرضت الطبقة الفرنكفونية من الدنمارك واستعادت اللغة الوطنية قوتها فاستعاد الدنماركيون ثقتهم بالنفس وهم اليوم يعتزون بلغتهم ولهجاتهم المحلية، وبات الإعجاب باللغة الفرنسية نكتة من الماضي.
في المغرب لا نزال نعاني من وجود قوي لـ«دنماركيي القرن السابع عشر» بيننا، وهذه الطبقة للأسف تتكون من رهط من الأميين الذين لا يتكلمون سوى لغة واحدة ويتظاهرون بقوة زائفة. إنهم يشبهون القطط التي تنفخ نفسها بالهواء لكي يكبر حجمها وتخيف أعداءها. والغريب في مرض الفرنكفونية ليس التطرف لصالح الفرنسية، بل هي العدوانية الواضحة ضد العربية، وسبب ذلك واضح، هو أن المنغلق على لغة واحدة يحس دائما بالخوف ويعتقد أنها أفضل لغة في الكون لأنه لا يملك غيرها، وهذا ما يجعل الفرنكفونيين يحسون برهاب اللغة الفرنسية، بينما المعرّبون يتصرفون بكثير من الثقة في النفس لأنهم في الغالب يتحدثون لغات أخرى إلى جانب العربية. لهذا السبب غرق الفرنكفونيون في عزلتهم اللغوية وأصبحوا متطرفين لغويين وثقافيين وحضاريين... يعني أميين.
لكن الغريب أيضا في كل هذه الحرب الكالحة ضد العربية هو أن الكثيرين من أعداء العربية لا يفقهون حرفا واحدا بالفرنسية، أو يتحدثونها بكثير من الارتباك والخجل، وهؤلاء مجرد معتوهين ينطبق عليهم مثال «شكون شافْك يالمكحّلْ فالظلْمة؟».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق