الصورة السيكولوجية لفهم الخلافات البشرية
عندما كنت في إيران في عام 1979م، بمناسبة الذكرى الثانية للثورة، رأيت العجب..
كنا نطوف بين طهران وقم بين الملالي والتكايا، في رحلة عودة للعقل لألف سنة، إلى أيام المستنصر بأمر الله والعلقمي، ونشم عفونة طائفية غير نظيفة، واكتشفنا أننا أمام ثورة غير إنسانية، وكانت رحلة الوداع مع أطنان كتبهم إلى غير رجعة، بعد هذه الصدمة الكبرى..
كنا أول الأمر مستبشرين جدا، ولكن رابتنا كثرة السجون واكتظاظها في طهران.. أسرة إلى السقوف في غرف تضم المئات، إلى درجة أن غربيا ألمانيا صرخ ونحن لم نصرخ، لأنهم قوم تأصلت فيهم روح العدالة، ونحن مازلنا نعيش ضباب القرون.
قال ـ أي الألماني ـ دعوهم يتكلمون.
كان ذلك في زيارة سجن إيفين، وكان مكتظا على نحو مخيف، مع كل مظاهر التخفيف والتزيين (الميك أب)، وأما معسكرات أسرى الحرب من العراقيين، فكانت فيها الأسرة إلى السقف، فيتسلقون للنوم كالقردة، وربما نام في الغرفة الواحدة مائتا شخص، بما تخجل منه زريبة الماعز والخرفان والديكة وعمال البنغال في الخليج العربي!!..
والقصة ليست هنا بل الجدل العقائدي.
قلت في نفسي نعم كان الأفضل بعد عُمر، أو ربما قبل أبي بكر وعمر، لو تسلم علي كرم الله وجهه الخلافة.. فلو كان حصل ذلك لتغير مجرى التاريخ؟ كما هو مجراه في أدمغة الشيعة، خاصة وأن عليا كان صغيرا في العمر، وهو من تشرب النبوة منذ نعومة أظفاره؟ وإلى هنا لا بأس، ولكن كل المشكلة بعد ذلك.
فإن مات علي فمن سيكون بعد علي وولي؟ هنا الطامة الكبرى وداهية الدواهي قاصمة الظهر.
قلت: لا شك أن الجميع سيتفق، كما هي في النظرية الشيعية، على أن من سيأتي بعد الحسين حسونة وبعد حسن حاسن.
ومن بعده ستوزع الهدايا على الرؤوس، بين طواقٍ وطرابيش وعمائم جديدة بيضاء، وحمراء مختلف ألوانها، وغرابيب سود، فمن لبس العمامة السوداء كان دمه نقيا نبويا، تجري في عروقه كريات حمراء مختومة: نبي نبي.. معصوم معصوم..
ومن كان مسكينا عمامته بيضاء كان دمه هجينا؟! في انقلاب كامل من الفكر والثقافة إلى الدم والعرق، مذكرا بالنظرية النازية الآرية من صفاء الدم وأرومة العرق وتسطح الجمجمة، حسب روزنبرج.
وهم ليسوا الوحيدين في العالم من المؤسسات الدينية، ونظرة إلى ألوان القلنسوات والعمائم وأحجامها، من بطريرك الأرثوذكس في روسيا الذي رش بماء الكنيسة سبعة ملايين قربان بشري في الحرب العالمية الأولى، فأفسح الطريق للإلحاد الشيوعي بالقدوم على المراكب سباحة في أوقيانوس من الدم البشري، وانتهاء بمفتي الجمهورية، وشيخ الديار الإسلامية مفتي العثمانيين، الذي كان يوصي بخنق أولاد الخليفة مثل الدجاج مع اعتلائه العرش، بآية قرآنية أن الفتنة أشد من القتل؛ فيقتلون بالجملة، كما خنق السلطان مراد 14 أخا دفعة واحدة في ضربة سلطانية واحدة، مالها من فواق.. وكما فعل فاتح القسطنطينية فافتتح يوم اعتلائه العرش بخنق أخيه الرضيع!!
وبذا هربنا من المطر لندخل تحت المزراب، ونؤسس بيتا جديدا للحكم (ديناستي)، مثل بيت تشين والمغول في الصين، بفارق أن الاسم لن يكون عبد الملك بن مروان، بل حسن بن علي بن الحسن بن علي.. إلى آخر السلسلة المعصومة؟
باعتبار أن آل البيت معصومون، وفي آية صريحة بزعمهم (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا). وهنا يخرج من البيت كل نساء النبي الأخريات، وكل المجاهدين معه، وكل الصحابة الذين رباهم على عينه عشرات السنوات، بمن فيهم سلمان منا آل البيت، وهو حديث يردونه فلهم أحاديثهم التي لا ترد.
لتتحدد الطهارة على نحو (دموي)، فكل من تدخل دمه كريات حمر من دم النبي تحول إلى مقدس ومعصوم، مثل بابوات الفاتيكان، حتى كتب فيهم يونج السويسري أنهم يحملون البلايا التسع.
وهكذا تؤسس الأسر الحاكمة في التاريخ تحت ذريعة المقدس والإلهي، وأن الشمس بزغت والقمر استدار وملوك الأرض حملوا الهدايا لطفل يثغو؟ والبيعة لآل الرضى من آل البيت، وكان في تأسيس البيت العباسي، وآخر من شكله أزواج..
وهو شاهد مفجع على أن أعظم سفك للدماء يقوم تحت أعظم الأسماء، وأنه لم يظلم الإنسان بقدر ظلمه تحت ما يسمى الدول الإسلامية، وأن ساقي محمود طه في السودان تدلـّـتا من حبل المشنقة باسم تطبيق الشريعة، وأن 200 ألف من خيرة شباب السودان ماتوا في الجنوب تحت اسم الجهاد، التي كان وراءها الترابي الذي يدعو إلى الحريات هذه الأيام! والتي لم تزد عن حفلة مترعة من قرابين بشرية في حج غير مقدس..
لقد نبش العباسيون قبور بني أمية وصلبوهم، وذبحوهم إلى آخر طفل، ودفعوهم إلى الهرب إلى الباسك ليشقوا الدولة الإسلامية إلى رأسين، ووضعوا بقايا الأموات تحت السجاد، وهم يحشرجون، وابن علي يشرب الخمر ويفترس الدجاج مع أصوات المحتضرين. وإذا كان بيت مروان أنتج عمر بن عبد العزيز لسنتين وثلاثة أشهر ليسمموه، فإن بني العباس وأولاد فاطمة في المغرب ومصر لم ينتجوا إلا طغاة، أو في أحسن الأحوال أناسا يدّعون الألوهية، كما في الحاكم بأمر الله الذي قام بتصفية عرقية للكلاب في ليلة غضب عارمة حين نغصوا نومه، فذبح ثلاثين ألفا من الكلاب مسومين، بحجارة من سجيل منضود، الذي هرب أتباعه من مصر إلى جبال سوريا، فأنشؤوا ديانة مغلقة لأنفسهم، كما فعل أتباع يزيد بن معاوية بطل معركة الحرة في استباحة مدينة النبي، فهربوا إلى شعف الجبال، يعبدون الشيطان الرجيم، ويسمونه طاووسا بذيل وثيل..
هنا وقفت وتأملت وقلت: أليس عجيبا أن يتورط مثل هذا الدماغ الجبار (باقر الصدر)، وهو كاتب فلسفتنا واقتصادنا ومشروع بنك لا ربوي، فيعتقد أن رجلا دخل سردابا، هو على قيد الحياة، بما هو ضد قوانين البيولوجيا، ليبعث بعد عشرة آلاف سنة، فيملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا!..
هنا أعرف أن الموضوع سيكولوجي ولا علاقة له بالوعي مطلقا..
ولذا كان على المفكرين أن يفهموا القضية في هذا البعد، فيسمحوا لكل الخرافات أن تنمو مثل العفن، حتى يأتي دور البنسلين.
كنا نطوف بين طهران وقم بين الملالي والتكايا، في رحلة عودة للعقل لألف سنة، إلى أيام المستنصر بأمر الله والعلقمي، ونشم عفونة طائفية غير نظيفة، واكتشفنا أننا أمام ثورة غير إنسانية، وكانت رحلة الوداع مع أطنان كتبهم إلى غير رجعة، بعد هذه الصدمة الكبرى..
كنا أول الأمر مستبشرين جدا، ولكن رابتنا كثرة السجون واكتظاظها في طهران.. أسرة إلى السقوف في غرف تضم المئات، إلى درجة أن غربيا ألمانيا صرخ ونحن لم نصرخ، لأنهم قوم تأصلت فيهم روح العدالة، ونحن مازلنا نعيش ضباب القرون.
قال ـ أي الألماني ـ دعوهم يتكلمون.
كان ذلك في زيارة سجن إيفين، وكان مكتظا على نحو مخيف، مع كل مظاهر التخفيف والتزيين (الميك أب)، وأما معسكرات أسرى الحرب من العراقيين، فكانت فيها الأسرة إلى السقف، فيتسلقون للنوم كالقردة، وربما نام في الغرفة الواحدة مائتا شخص، بما تخجل منه زريبة الماعز والخرفان والديكة وعمال البنغال في الخليج العربي!!..
والقصة ليست هنا بل الجدل العقائدي.
قلت في نفسي نعم كان الأفضل بعد عُمر، أو ربما قبل أبي بكر وعمر، لو تسلم علي كرم الله وجهه الخلافة.. فلو كان حصل ذلك لتغير مجرى التاريخ؟ كما هو مجراه في أدمغة الشيعة، خاصة وأن عليا كان صغيرا في العمر، وهو من تشرب النبوة منذ نعومة أظفاره؟ وإلى هنا لا بأس، ولكن كل المشكلة بعد ذلك.
فإن مات علي فمن سيكون بعد علي وولي؟ هنا الطامة الكبرى وداهية الدواهي قاصمة الظهر.
قلت: لا شك أن الجميع سيتفق، كما هي في النظرية الشيعية، على أن من سيأتي بعد الحسين حسونة وبعد حسن حاسن.
ومن بعده ستوزع الهدايا على الرؤوس، بين طواقٍ وطرابيش وعمائم جديدة بيضاء، وحمراء مختلف ألوانها، وغرابيب سود، فمن لبس العمامة السوداء كان دمه نقيا نبويا، تجري في عروقه كريات حمراء مختومة: نبي نبي.. معصوم معصوم..
ومن كان مسكينا عمامته بيضاء كان دمه هجينا؟! في انقلاب كامل من الفكر والثقافة إلى الدم والعرق، مذكرا بالنظرية النازية الآرية من صفاء الدم وأرومة العرق وتسطح الجمجمة، حسب روزنبرج.
وهم ليسوا الوحيدين في العالم من المؤسسات الدينية، ونظرة إلى ألوان القلنسوات والعمائم وأحجامها، من بطريرك الأرثوذكس في روسيا الذي رش بماء الكنيسة سبعة ملايين قربان بشري في الحرب العالمية الأولى، فأفسح الطريق للإلحاد الشيوعي بالقدوم على المراكب سباحة في أوقيانوس من الدم البشري، وانتهاء بمفتي الجمهورية، وشيخ الديار الإسلامية مفتي العثمانيين، الذي كان يوصي بخنق أولاد الخليفة مثل الدجاج مع اعتلائه العرش، بآية قرآنية أن الفتنة أشد من القتل؛ فيقتلون بالجملة، كما خنق السلطان مراد 14 أخا دفعة واحدة في ضربة سلطانية واحدة، مالها من فواق.. وكما فعل فاتح القسطنطينية فافتتح يوم اعتلائه العرش بخنق أخيه الرضيع!!
وبذا هربنا من المطر لندخل تحت المزراب، ونؤسس بيتا جديدا للحكم (ديناستي)، مثل بيت تشين والمغول في الصين، بفارق أن الاسم لن يكون عبد الملك بن مروان، بل حسن بن علي بن الحسن بن علي.. إلى آخر السلسلة المعصومة؟
باعتبار أن آل البيت معصومون، وفي آية صريحة بزعمهم (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا). وهنا يخرج من البيت كل نساء النبي الأخريات، وكل المجاهدين معه، وكل الصحابة الذين رباهم على عينه عشرات السنوات، بمن فيهم سلمان منا آل البيت، وهو حديث يردونه فلهم أحاديثهم التي لا ترد.
لتتحدد الطهارة على نحو (دموي)، فكل من تدخل دمه كريات حمر من دم النبي تحول إلى مقدس ومعصوم، مثل بابوات الفاتيكان، حتى كتب فيهم يونج السويسري أنهم يحملون البلايا التسع.
وهكذا تؤسس الأسر الحاكمة في التاريخ تحت ذريعة المقدس والإلهي، وأن الشمس بزغت والقمر استدار وملوك الأرض حملوا الهدايا لطفل يثغو؟ والبيعة لآل الرضى من آل البيت، وكان في تأسيس البيت العباسي، وآخر من شكله أزواج..
وهو شاهد مفجع على أن أعظم سفك للدماء يقوم تحت أعظم الأسماء، وأنه لم يظلم الإنسان بقدر ظلمه تحت ما يسمى الدول الإسلامية، وأن ساقي محمود طه في السودان تدلـّـتا من حبل المشنقة باسم تطبيق الشريعة، وأن 200 ألف من خيرة شباب السودان ماتوا في الجنوب تحت اسم الجهاد، التي كان وراءها الترابي الذي يدعو إلى الحريات هذه الأيام! والتي لم تزد عن حفلة مترعة من قرابين بشرية في حج غير مقدس..
لقد نبش العباسيون قبور بني أمية وصلبوهم، وذبحوهم إلى آخر طفل، ودفعوهم إلى الهرب إلى الباسك ليشقوا الدولة الإسلامية إلى رأسين، ووضعوا بقايا الأموات تحت السجاد، وهم يحشرجون، وابن علي يشرب الخمر ويفترس الدجاج مع أصوات المحتضرين. وإذا كان بيت مروان أنتج عمر بن عبد العزيز لسنتين وثلاثة أشهر ليسمموه، فإن بني العباس وأولاد فاطمة في المغرب ومصر لم ينتجوا إلا طغاة، أو في أحسن الأحوال أناسا يدّعون الألوهية، كما في الحاكم بأمر الله الذي قام بتصفية عرقية للكلاب في ليلة غضب عارمة حين نغصوا نومه، فذبح ثلاثين ألفا من الكلاب مسومين، بحجارة من سجيل منضود، الذي هرب أتباعه من مصر إلى جبال سوريا، فأنشؤوا ديانة مغلقة لأنفسهم، كما فعل أتباع يزيد بن معاوية بطل معركة الحرة في استباحة مدينة النبي، فهربوا إلى شعف الجبال، يعبدون الشيطان الرجيم، ويسمونه طاووسا بذيل وثيل..
هنا وقفت وتأملت وقلت: أليس عجيبا أن يتورط مثل هذا الدماغ الجبار (باقر الصدر)، وهو كاتب فلسفتنا واقتصادنا ومشروع بنك لا ربوي، فيعتقد أن رجلا دخل سردابا، هو على قيد الحياة، بما هو ضد قوانين البيولوجيا، ليبعث بعد عشرة آلاف سنة، فيملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا!..
هنا أعرف أن الموضوع سيكولوجي ولا علاقة له بالوعي مطلقا..
ولذا كان على المفكرين أن يفهموا القضية في هذا البعد، فيسمحوا لكل الخرافات أن تنمو مثل العفن، حتى يأتي دور البنسلين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق