أغلب ما يسمعه الإنسان أو يقرؤه في أيامنا الحالية ينصب على المطالبة بإجراء إصلاحات عميقة على الجانب الاقتصادي من ظاهرة العولمة الجديدة، والتي هي في الواقع في طريقها لتكون نظاماً شمولياً متكامل المكوّنات. تلك المراجعة فرضتها الأزمة المالية العولمية التي انفجرت في وجه الجميع منذ أكثر من عام. لكن تلك المراجعة لن تكفي، وستكون خطوات العلاج الخجولة البطيئة كمن يعالج السرطان المنتشر المتمكن من كل الجسد، في الكبد ويتركه ينهش ويدمر الرئة والجهاز العصبي والعظام. مثلما لا يستطيع علاج طبي كهذا أن يقضي على مرض السرطان، فكذلك الحال مع العلاج الاقتصادي المتواضع الذي يقترحه السياسيون الخائفون المذعورون الذين لا يفكرون إلا في الانتخابات القادمة أو في نضوب الهبات التي تقدم إلى أحزابهم من قبل أصحاب المال والصناعة. إذن، فالمقترحات التي تقدم والخطوات التي تؤخذ لن تكون كافية، وذلك للأسباب التالية:
أولا: إن موجة العولمة الجديدة جعلت من مالكي مؤسسات المال والشركات العالمية الكبرى والصناعات الأساسية، وفي مقدمتها الصناعة العسكرية، وكبار القادة العسكريين الأمنيين، جعلتهم أقوى من السياسيين وأكثر قدرة على التهديد والإيذاء والمغامرة الخطرة. من هنا نرى اليوم، بالرغم من الحكومات والمجالس النيابية والرأي العام، نفس الذين ذرفوا دموع التماسيح واستغفروا استغفار إبليس منذ سنة، يمارسون عودة حليمة إلى عادتها القديمة. هاهم يستلمون الحوافز المليونية، ويربحون الأرباح الخيالية ويتلاعبون بالبورصات وأسواق نخاسة العملات، وينقضّون على أية عنزة منهكة أو مفزوعة، كما فعلوا بالأمس مع دول جنوب وشرق آسيا ويفعلون اليوم مع اليونان، وغدا مع البرتغال. والذين يعتقدون أن أوباما، مثلا، أقوى من وول ستريت أو أن الأمير الفلاني أقوى من شركات البترول الدولية العملاقة يعيشون في وهم وتمنيات خيالية.
ثانيا: وإذا كان الجميع يعترف بضرورة إصلاح الجانب الاقتصادي، فماذا عن الجانب السياسي؟ فإذا كان النظام السياسي الأمريكي، على سبيل المثال، يسمح بألف طريقة شيطانية ملتوية لرجل شهد القاصي والداني بجهله وحماقته بأن يتخذ قرارات مصيرية تجعل بلده يحتل العراق ويدمر بنيته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ويعيده إلى الوراء عبر عشرات السنين.. ويسمح النظام السياسي البريطاني لرجل آثر أن يقود بلاده لتضع يدها في يد المافيا الأمريكية التي احتلت العراق.. ويسمح النظام السياسي لدول أوربية كثيرة بأن ترتكب نفس الجريمة.. وتسمح التركيبة السياسية الانتهازية لمجلس الأمن بأن يبارك خطيئة العنجهية الأمريكية وحلفائها في العراق وأفغانستان وفلسطين وكثير من أرض العرب والمسلمين وفقراء دول العالم الثالث.. إذا كانت الأنظمة السياسية للدول التي تقرر مصير العالم، وبالتالي يمكن أن تقوده إلى الحروب واليباب، أي أن تهز أركان النظام العولمي الذي يراد بناؤه، فيها ثغرات واضحة.. إذا كان الأمر كذلك، أليس المفروض أن يطرح موضوع إصلاح الجانب السياسي في الظاهرة العولمية على المستويات الوطنية والعالمية، بما فيها الأمم المتحدة؟
ثالثا: وماذا عن الجانب الثقافي في الظاهرة العولمية؟ فإذا كانت، مثلا، الحريات التعبيرية في حقول السينما والتلفزيون والأنترنيت في بعض الدول، وعلى الأخص الغربية منها، تسمح بأبشع صور التعبير عن الجنس المبتذل، واللباس المعبر عن أحط الرغبات، والعنف الممعن في الدموية، والرعب الشيطاني الدراكيولي، وأنواع لا تعد ولا تحصى من تعبيرات رمزية لغوية وجسدية مبتذلة، فإن تلك الثقافة تنساح بحرية عبر العالم كله باسم حرية الثقافة العولمية، وتؤثر على الأفراد والروابط العائلية والتماسك المجتمعي، وبالتالي ألا يفرض المنطق أن توضع الثقافة أيضا محل المساءلة وتخضع لإصلاح على مستوى العالم وليس فقط على المستوى الوطني؟
رابعاً: إن تلك المراجعة لا تكون شاملة وعميقة إن لم تتم أيضاً على مستوى القيم والمبادئ الكبرى التي تحكم سيرورة الحياة العصرية في كل حقولها الأخرى، من مثل التكنولوجيا والرياضة والتعليم والعمالة وغيرها. إن الغرب لا يستطيع أن يمتلك الكعكة ويأكلها في نفس الوقت بنفسه. فمثلما يجري الحديث عن عدم أحقية صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي أو مراكز المال الكبرى في العالم في أن يتحكموا في الاقتصاد، فإن الحديث يجب أن يجري عن عدم أحقية واشنطن أو لندن أو باريس أو موسكو في الهيمنة على السياسة، وعن عدم أحقية هوليوود في رسم الخريطة السينمائية، وعن عدم أحقية وكالات الأنباء الدولية في ضبط إيقاع انسياب الأخبار عبر العالم كله.
إذا كنا نريد الانتقال من ظاهرة العولمة، التي يقول البعض إن قضاءها لا راد له، إلى نظام عولمي، فلتكن المراجعة شاملة ولتؤخذ مصالح ووجهات نظر وثقافات الجميع بعين الاعتبار. وإلا فلنهجر هذا الجنون العولمي الذي نمارسه.
أولا: إن موجة العولمة الجديدة جعلت من مالكي مؤسسات المال والشركات العالمية الكبرى والصناعات الأساسية، وفي مقدمتها الصناعة العسكرية، وكبار القادة العسكريين الأمنيين، جعلتهم أقوى من السياسيين وأكثر قدرة على التهديد والإيذاء والمغامرة الخطرة. من هنا نرى اليوم، بالرغم من الحكومات والمجالس النيابية والرأي العام، نفس الذين ذرفوا دموع التماسيح واستغفروا استغفار إبليس منذ سنة، يمارسون عودة حليمة إلى عادتها القديمة. هاهم يستلمون الحوافز المليونية، ويربحون الأرباح الخيالية ويتلاعبون بالبورصات وأسواق نخاسة العملات، وينقضّون على أية عنزة منهكة أو مفزوعة، كما فعلوا بالأمس مع دول جنوب وشرق آسيا ويفعلون اليوم مع اليونان، وغدا مع البرتغال. والذين يعتقدون أن أوباما، مثلا، أقوى من وول ستريت أو أن الأمير الفلاني أقوى من شركات البترول الدولية العملاقة يعيشون في وهم وتمنيات خيالية.
ثانيا: وإذا كان الجميع يعترف بضرورة إصلاح الجانب الاقتصادي، فماذا عن الجانب السياسي؟ فإذا كان النظام السياسي الأمريكي، على سبيل المثال، يسمح بألف طريقة شيطانية ملتوية لرجل شهد القاصي والداني بجهله وحماقته بأن يتخذ قرارات مصيرية تجعل بلده يحتل العراق ويدمر بنيته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ويعيده إلى الوراء عبر عشرات السنين.. ويسمح النظام السياسي البريطاني لرجل آثر أن يقود بلاده لتضع يدها في يد المافيا الأمريكية التي احتلت العراق.. ويسمح النظام السياسي لدول أوربية كثيرة بأن ترتكب نفس الجريمة.. وتسمح التركيبة السياسية الانتهازية لمجلس الأمن بأن يبارك خطيئة العنجهية الأمريكية وحلفائها في العراق وأفغانستان وفلسطين وكثير من أرض العرب والمسلمين وفقراء دول العالم الثالث.. إذا كانت الأنظمة السياسية للدول التي تقرر مصير العالم، وبالتالي يمكن أن تقوده إلى الحروب واليباب، أي أن تهز أركان النظام العولمي الذي يراد بناؤه، فيها ثغرات واضحة.. إذا كان الأمر كذلك، أليس المفروض أن يطرح موضوع إصلاح الجانب السياسي في الظاهرة العولمية على المستويات الوطنية والعالمية، بما فيها الأمم المتحدة؟
ثالثا: وماذا عن الجانب الثقافي في الظاهرة العولمية؟ فإذا كانت، مثلا، الحريات التعبيرية في حقول السينما والتلفزيون والأنترنيت في بعض الدول، وعلى الأخص الغربية منها، تسمح بأبشع صور التعبير عن الجنس المبتذل، واللباس المعبر عن أحط الرغبات، والعنف الممعن في الدموية، والرعب الشيطاني الدراكيولي، وأنواع لا تعد ولا تحصى من تعبيرات رمزية لغوية وجسدية مبتذلة، فإن تلك الثقافة تنساح بحرية عبر العالم كله باسم حرية الثقافة العولمية، وتؤثر على الأفراد والروابط العائلية والتماسك المجتمعي، وبالتالي ألا يفرض المنطق أن توضع الثقافة أيضا محل المساءلة وتخضع لإصلاح على مستوى العالم وليس فقط على المستوى الوطني؟
رابعاً: إن تلك المراجعة لا تكون شاملة وعميقة إن لم تتم أيضاً على مستوى القيم والمبادئ الكبرى التي تحكم سيرورة الحياة العصرية في كل حقولها الأخرى، من مثل التكنولوجيا والرياضة والتعليم والعمالة وغيرها. إن الغرب لا يستطيع أن يمتلك الكعكة ويأكلها في نفس الوقت بنفسه. فمثلما يجري الحديث عن عدم أحقية صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي أو مراكز المال الكبرى في العالم في أن يتحكموا في الاقتصاد، فإن الحديث يجب أن يجري عن عدم أحقية واشنطن أو لندن أو باريس أو موسكو في الهيمنة على السياسة، وعن عدم أحقية هوليوود في رسم الخريطة السينمائية، وعن عدم أحقية وكالات الأنباء الدولية في ضبط إيقاع انسياب الأخبار عبر العالم كله.
إذا كنا نريد الانتقال من ظاهرة العولمة، التي يقول البعض إن قضاءها لا راد له، إلى نظام عولمي، فلتكن المراجعة شاملة ولتؤخذ مصالح ووجهات نظر وثقافات الجميع بعين الاعتبار. وإلا فلنهجر هذا الجنون العولمي الذي نمارسه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق