الأربعاء، 5 مايو 2010

ديمقراطية بريطانيا وديمقراطية مصر؟!

حينما وقع انقلاب يوليوز عام 1952 في مصر، كانت مصر واحدة من أعرق الأنظمة الديمقراطية في المنطقة، حيث كان الدستور الذي صدر في عام 1921 يكفل للناس الحياة الكريمة، وعلى رأسها تداول السلطة بين الأحزاب القائمة وحق الشعب في اختيار من يحكمه. وإذا أخذنا في الاعتبار الحديث الذي روج بعد ذلك عن فساد الأحزاب والحياة السياسية، فما حدث بعد ذلك على أيدي الأنظمة الديكتاتورية المتتابعة -والذي بدأ بإلغاء الدستور ووضع دساتير تكون ألعوبة بيد الحاكم يعدل ويبدل فيها كما يشاء بما فيها المادة 76 المشؤومة التي تفصل الحق في الترشح لرئاسة الدولة على عدد محدود من الناس لا يكونون سوى امتداد للنظام القائم- يعتبر أسوأ بملايين المرات من الفساد الذي تحدث عنه
 الثوار.
عملية التضليل التي تمارس على الشعب المصري منذ قيام انقلاب يوليوز وحتى الآن ووجود نسبة أمية واسعة تتعدى الخمسين في المائة من الشعب، علاوة على الأمية السياسية العالية، جعل الشعب أسيرا لمقولات تتردد دون تمحيص عن العهد السابق للانقلاب وما وقع بعدها من تعد على حقوق الناس، وجعل المنادين بالحياة الحرة الكريمة والتمحيص والتفحص في حقيقية أحداث التاريخ كالمهرطقين الذين يكفرون بما جاء به الثوار والذي أدى في النهاية إلى ما نراه الآن على أرصفة مجلس الشعب المصري وفي الشوارع، حيث خرجت كل فئات الشعب تقريبا، بدءا من جامعي القمامة وحتى الأطباء، تنادي، بعد أكثر من خمسة عقود من الظلم والطبقية الجديدة، بحقها في الحياة الحرة الكريمة بعدما أصبح دخل الطبيب لا يكفي لأن يأكل «عيش حاف» كما يقول المصريون. لقد بلغ عدد الإضرابات في مصر، من خلال تقرير رصده مايكل سلاكمان ونشرته صحيفة «نيويورك تايمز» في 30 أبريل الماضي، 1900 إضراب شارك فيها مليون وسبعمائة ألف عامل وموظف من مختلف قطاعات الشعب. وقد وصفت هذه الموجة من الاحتجاجات والإضرابات بكونها «أكبر حركة اجتماعية تشهدها مصر خلال نصف القرن الأخير»، فقد أصبحت هناك حكومة عاجزة ونظام متكلس وشعب مستضعف يحكم بأكثر من مليون ونصف المليون جندي من قوات الأمن، ولم تعد لدى من يحكمون خشية من أي تقارير، سواء منها التقارير الرسمية التي  تصدر عن الجهاز المركزي للمحاسبات أو الرقابة الإدارية التي  ترصد فساد النخبة الحاكمة أو حتى التقارير الدولية التي تضع مصر في مقدمة الدول التي  ينخرها الفساد. ولعل الترتيبات التي تتم الآن من أجل تزوير الانتخابات القادمة والتي بدأت مبكرا بإلغاء الإشراف القضائي على الانتخابات بعدما قام بعض القضاة الشرفاء بفضح بعض عمليات التزوير التي تمت في الانتخابات الماضية، تؤكد أن مصر في طريقها إلى مجهول لا يعمله إلا الله.
 وقفتُ متأملا هذه الحالة وأنا أرصد الإعداد للانتخابات البريطانية والتي أخذت شكلا جديدا هذه الدورة عبر المناظرات التلفزيونية التي  عقدت بين زعماء الأحزاب الرئيسية الثلاثة في بريطانيا والتي أظهرت حجما من الشفافية وقدرة كل قائد حزب على أن يخرج بلاده مما تعانيه من أزمات، وكان من أبرز ما حملته الديمقراطية البريطانية من خلال هذه المناظرات بروز شخصية قيادية جديدة يمكن أن تؤدي إلى تركيبة جديدة في البرلمان البريطاني هي شخصية زعيم حزب الليبراليين الأحرار، نيك كليغ، الذي وضعته كثير من الاستطلاعات في المرتبة الأولى متقدما على زعيمي الحزبين التقليديين العريقين في بريطانيا: حزب العمال وحزب المحافظين. ورغم أن رئيس الوزراء الحالي جوردون براون حل ثالثا في كثير من الاستطلاعات، فإن آخرين يرون أنه كان الأكثر وضوحا في ما يتعلق بحل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد.
مصر كانت بها، قبل انقلاب يوليوز، ديمقراطية أشبه ما تكون بالديمقراطية البريطانية. ورغم وجود احتلال مباشر من البريطانيين آنذاك فإن مساحة الحرية والديمقراطية كانت أفضل بمئات المرات مما تعيش فيه مصر الآن. وبدلا من أن تواصل مصر المسيرة التي بدأت في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، فإنها انتكست إلى الوراء ولم يعد يصل إلى سدة الحكم إلا المقربون من الحاكم أو الذين يعملون لمصلحته، وألغيت كل أشكال الانتخابات الحرة بدءا من انتخاب شيخ الأزهر من قبل كبار العلماء في الأمة، وليس في مصر وحدها، والذي ألغاه عبد الناصر عام 1960 وحوله إلى موظف لدى الحاكم يعين من قبله ويقال من قبله بدلا مما كان عليه الحال من تعيينه من قبل العلماء ومن كون راتبه يصرف من أوقاف الأمة وليس من الدولة، إلى إلغاء الانتخابات في النقابات والجامعات وكافة أشكال الحياة الأخرى، فلم يعد لدى العمال حق اختيار من يمثلهم من نقابتهم أو المهندسين أو غيرهم من النقابات التي تفرض عليها الحراسة وتمنع فيها الانتخابات، حيث أصبح كل شيء بالتعيين وأصبحت المناصب مكافآت ولم يعد هناك أحد يحاسب أحدا.
ما هي مقدرة من يحكمون مصر الآن على أن تقام مناظرة بينهم وبين أفضل اثنين ممن يطرحون أنفسهم كبدلاء لنرى من الذي له المقدرة على أن يخرج مصر مما هي فيه، كما يفعل البريطانيون الذين كانت الديمقراطية المصرية لا تقل عراقة عن ديمقراطيتهم قبل خمسة عقود؟ ومتى يطالب الشعب المصري بحقه في اختيار من يحكمه اختيارا حرا نزيها، لأنه إذا اختار من يحكمه أصبحت لديه القدرة على أن يحاسبه وعلى أن يعزله، ولكن من يحاسب هؤلاء الذين يحكمون ومن يستطيع أن يعزلهم؟

أحمد منصور

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق