قبل أن تطيح الثورة بشاه إيران عام 1979 بعدة سنوات، كانت المظاهرات والاحتجاجات تضرب أنحاء إيران وطهران بشكل خاص، بل كان المتظاهرون يصلون إلى قصر الشاه وهم يهتفون ضد ديكتاتوريته وفساد نظامه، بينما كان الشاه يمارس حياته مطمئنا إلى أن جهاز السافاك أو الأمن الداخلي بكل بطشه وقسوة رجاله كفيل بأن يسحق هؤلاء ويسحلهم في الشوارع قبل أن يصلوا إلى بوابات قصره، كما أن الجيش كله كان يدين له بالولاء المطلق، ومن ثم فلا حاجة إلى القلق أو الاهتمام بهؤلاء الرعاع الذين يخرجون في الشوارع يهتفون ضده أو ينادون بالحرية أو الديمقراطية أو الحياة الحرة الكريمة، فعصا الأمن الغليظة كفيلة بهم. وقد سجلت الكاميرات التلفزيونية آنذاك بعض اللقطات التي يقوم خلالها رجال السافاك بقمع المتظاهرين الإيرانيين بقسوة وعنف لا تختلف كثيرا عن تلك اللقطات التي نشاهدها في مصر الآن حينما يعتدي رجال الأمن الأشاوس على المتظاهرين المسالمين، ولاسيما من الفتيات والنساء اللائي يسحلونهن في الشوارع جرا من شعورهن وتمزيقا لملابسهن وأحجبهن، بينما يقوم رجال يضعون الرتب العالية على أكتفاهم بالاعتداء عليهم (المتظاهرين) وسبهم وقذفهم بأبشع ألوان السباب، لا لشيء إلا أنهم ينادون بالحرية والديمقراطية ومحاسبة ومحاربة الفاسدين. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن بعض رجال الحزب الحاكم طالبوا تحت قبة البرلمان بألا يكتفي الأمن بذلك، بل يطلق الرصاص على هؤلاء المتظاهرين المسالمين.
كان شاه إيران يجلس مطمئنا في قصره، محتميا بجيش من الأمن علاوة على الجيش الإيراني الذي كان يدين له بالولاء، حيث كان قادته ينحنون أمامه حينما يظهر. نفس المشهد تقريبا كان في رومانيا حينما كان يحكمها الطاغية شاوسيسكو الذي كان يملك أقوى جهاز للأمن السري في أوربا، وكان هؤلاء يمارسون أبشع ألوان التعذيب والانتهاكات الإنسانية في حق المعارضين الذين كانوا يخرجون هتافا ضد الديكتاتورية والفساد والاستبداد الذي كان يمارسه شاوسيسكو بينما كان الأخير يعيش مطمئنا إلى أن أجهزة الأمن القوية كفيلة بسحق هؤلاء قبل أن يفكر أحدهم في أن يقترب من قصره. وهناك أمثلة كثيرة مشابهة على ذلك للحكام المستبدين في أيامهم الأخيرة.
ولكن، كيف كانت نهاية هؤلاء واستهتارهم بشعوبهم وغضبتها وما تتعرض له من ظلم واضطهاد؟ أما شاه إيران فقد أخرج مطرودا مع عائلته رغما عن أنفه من إيران وأخذ يطوف الدنيا بطائرته بحثا عن ملجأ بعدما خذله رجال أمنه وجيشه وجرفت الثورة الجميع، ورغم أنه كان خادما لأمريكا التي كانت تلقبه بشرطي الخليج فإنهم لم يسمحوا له بالإقامة في بلادهم، كما طلب منه البريطانيون مغادرة أراضيهم ولم يجد في النهاية إلا الرئيس المصري أنور السادات الذي استضافه، حيث قضى نحبه بعد فترة وجيزة في مصر ودفن فيها، وقامت الثورة في بلاده بسحق كل الفاسدين من رجاله بغض النظر عن السلوكيات الكثيرة الخاطئة التي مورست من قبل قادة الثورة، لكنها أخطاء الثورات حينما تعصف بالأنظمة المستبدة ورجالها.
أما شاوسيسكو فلم تعصف به ثورة الشعب الروماني فحسب، بل سحلته بعد قتله هو وزوجته وعائلته، وأصبح رجال الأمن السري الذين كانوا يحمونه هدفا لكل الغاضبين والمسحوقين والمعتدى عليهم الذين كانوا يسحقونهم في عهد الديكتاتور حتى إن كثيرا منهم كانوا يبحثون عن أماكن يلجؤون إليها، فلم يكن يؤويهم أحد حتى أقاربهم، فقتل من قتل منهم وحوكم من حوكم منهم، ومن نجا عاش ذليلا خائفا منزويا ينتظر الانتقام في أي لحظة.
حينما اطلعت على تفاصيل وصور بعض ما قام به رجال الأمن في مصر ضد الشباب والفتيات من جماعة 6 أبريل في مظاهراتهم الأخيرة، هالني ما رأيت من سلوكيات إجرامية من قبل رجال الأمن، هي امتداد لما يمارسونه ضد المتظاهرين منذ سنوات، لكنها كانت الأسوأ والأشرس ضد فتيات وشبان مصريين لم يرتكبوا جرما سوى أنهم خرجوا يطالبون بحقهم في الحرية والحياة الكريمة، وهي المطالب التي أصبح الشعب المصري كله يطالب بها الآن بعد عقود من الاستبداد والفساد، سلوكيات الأمن المصري وصفت من قبل كثيرين بكونها لا تقل عما يقوم به الإسرائيليون ضد الفلسطينيين أو ما كان يقوم به رجال الشاه أو رجال شاوسيسكو ضد شعوبهم، ولا ندري هل أمن رجال الأمن هؤلاء الحساب في الدنيا إلى هذا الحد الذي ينتهكون فيه حدود الآدمية وأعراض الفتيات أمام الكاميرات ووسائل الإعلام التي سرب بعضها حتى وإن حرصوا على مصادرة الكثير من أشرطتها؟ وإذا كانوا قد أمنوا الحساب في الدنيا ونجوا مما لم ينج منه رجال شاوسيسكو أو رجال الشاه فهل أمنوه يوم الحساب في الآخرة؟
إن المظاهرات -التي تضرب أنحاء مصر الآن والتي وصلت إلى رصيف مجلس الشعب الذي يقيم عليه الآن عشرات من الموظفين والعمال المصريين من مختلف القطاعات في مصر بشكل دائم ينادون بحقهم في لقمة عيش نظيفة في بلادهم التي تباع خيراتها للأجانب، من مصانع وأراض، بل تعطى كهبات، بينما هؤلاء يحرمون من الحياة الحرة الكريمة ومن أقل الحظوظ في الحياة- هي أشبه ما تكون بما قامت به الشعوب التي حكمت من قبل أنظمة مستبدة وحكام طغاة ذهبوا الآن إلى مزبلة التاريخ، وإذا كانت لقمة العيش الآن هي التي تحرك هؤلاء حيث لازالوا يدورون في إطار مصالحهم الشخصية التي مست من وظائف ورواتب، وليس من أجل الوطن الذي يباع كله، فإن الدائرة سوف تدور إلى أن يشعر الناس بأن بلدهم كلها تنهب وتسرق حتى وفق التقارير الرسمية التي تصدرها أجهزة الدولة.
النظام في مصر في غيبوبة تشبه تلك التي كان يعيشها شاه إيران والتي كان يعيشها شاوسيسكو، ورغم أجهزة الأمن القوية الباطشة في مصر والتي أصبح دورها فقط هو حماية النظام ورجاله وقهر وقمع الشعب، ومهما بلغت قوتها، فقد كانت قوة السافاك والشرطة السرية الرومانية أقوى منها بكثير، ومع ذلك لم تغن شيئا عن الشاه وعن شاوسيسكو، فأحدهم طاف الدنيا طريدا يبحث عن ملجأ آمن والآخر قتل وسحل مع عائلته تحت أقدام شعب غاضب تعرض للديكتاتورية والاستبداد. لقد أصبحت القاهرة الآن عاصمة المظاهرات والاحتجاجات والاضطرابات التي لم تقف عند حد العمال البسطاء أو عمال النظافة الذين يهددون بالإضراب هم الآخرون، ولكن وصلت حتى الأطباء، مما يعني أن مصر كلها على فوهة بركان. المشكلة لدى الأنظمة المستبدة أنها لا تدرك غضبة الشعوب ولاسيما حينما يعم الفساد وينتشر الجوع والفقر والمرض ويصبح الموت أحب إلى الناس من الحياة، حينها تقوم القيامة ويفيق النظام من الغيبوبة، ولكن بعد فوات الأوان.
ولكن، كيف كانت نهاية هؤلاء واستهتارهم بشعوبهم وغضبتها وما تتعرض له من ظلم واضطهاد؟ أما شاه إيران فقد أخرج مطرودا مع عائلته رغما عن أنفه من إيران وأخذ يطوف الدنيا بطائرته بحثا عن ملجأ بعدما خذله رجال أمنه وجيشه وجرفت الثورة الجميع، ورغم أنه كان خادما لأمريكا التي كانت تلقبه بشرطي الخليج فإنهم لم يسمحوا له بالإقامة في بلادهم، كما طلب منه البريطانيون مغادرة أراضيهم ولم يجد في النهاية إلا الرئيس المصري أنور السادات الذي استضافه، حيث قضى نحبه بعد فترة وجيزة في مصر ودفن فيها، وقامت الثورة في بلاده بسحق كل الفاسدين من رجاله بغض النظر عن السلوكيات الكثيرة الخاطئة التي مورست من قبل قادة الثورة، لكنها أخطاء الثورات حينما تعصف بالأنظمة المستبدة ورجالها.
أما شاوسيسكو فلم تعصف به ثورة الشعب الروماني فحسب، بل سحلته بعد قتله هو وزوجته وعائلته، وأصبح رجال الأمن السري الذين كانوا يحمونه هدفا لكل الغاضبين والمسحوقين والمعتدى عليهم الذين كانوا يسحقونهم في عهد الديكتاتور حتى إن كثيرا منهم كانوا يبحثون عن أماكن يلجؤون إليها، فلم يكن يؤويهم أحد حتى أقاربهم، فقتل من قتل منهم وحوكم من حوكم منهم، ومن نجا عاش ذليلا خائفا منزويا ينتظر الانتقام في أي لحظة.
حينما اطلعت على تفاصيل وصور بعض ما قام به رجال الأمن في مصر ضد الشباب والفتيات من جماعة 6 أبريل في مظاهراتهم الأخيرة، هالني ما رأيت من سلوكيات إجرامية من قبل رجال الأمن، هي امتداد لما يمارسونه ضد المتظاهرين منذ سنوات، لكنها كانت الأسوأ والأشرس ضد فتيات وشبان مصريين لم يرتكبوا جرما سوى أنهم خرجوا يطالبون بحقهم في الحرية والحياة الكريمة، وهي المطالب التي أصبح الشعب المصري كله يطالب بها الآن بعد عقود من الاستبداد والفساد، سلوكيات الأمن المصري وصفت من قبل كثيرين بكونها لا تقل عما يقوم به الإسرائيليون ضد الفلسطينيين أو ما كان يقوم به رجال الشاه أو رجال شاوسيسكو ضد شعوبهم، ولا ندري هل أمن رجال الأمن هؤلاء الحساب في الدنيا إلى هذا الحد الذي ينتهكون فيه حدود الآدمية وأعراض الفتيات أمام الكاميرات ووسائل الإعلام التي سرب بعضها حتى وإن حرصوا على مصادرة الكثير من أشرطتها؟ وإذا كانوا قد أمنوا الحساب في الدنيا ونجوا مما لم ينج منه رجال شاوسيسكو أو رجال الشاه فهل أمنوه يوم الحساب في الآخرة؟
إن المظاهرات -التي تضرب أنحاء مصر الآن والتي وصلت إلى رصيف مجلس الشعب الذي يقيم عليه الآن عشرات من الموظفين والعمال المصريين من مختلف القطاعات في مصر بشكل دائم ينادون بحقهم في لقمة عيش نظيفة في بلادهم التي تباع خيراتها للأجانب، من مصانع وأراض، بل تعطى كهبات، بينما هؤلاء يحرمون من الحياة الحرة الكريمة ومن أقل الحظوظ في الحياة- هي أشبه ما تكون بما قامت به الشعوب التي حكمت من قبل أنظمة مستبدة وحكام طغاة ذهبوا الآن إلى مزبلة التاريخ، وإذا كانت لقمة العيش الآن هي التي تحرك هؤلاء حيث لازالوا يدورون في إطار مصالحهم الشخصية التي مست من وظائف ورواتب، وليس من أجل الوطن الذي يباع كله، فإن الدائرة سوف تدور إلى أن يشعر الناس بأن بلدهم كلها تنهب وتسرق حتى وفق التقارير الرسمية التي تصدرها أجهزة الدولة.
النظام في مصر في غيبوبة تشبه تلك التي كان يعيشها شاه إيران والتي كان يعيشها شاوسيسكو، ورغم أجهزة الأمن القوية الباطشة في مصر والتي أصبح دورها فقط هو حماية النظام ورجاله وقهر وقمع الشعب، ومهما بلغت قوتها، فقد كانت قوة السافاك والشرطة السرية الرومانية أقوى منها بكثير، ومع ذلك لم تغن شيئا عن الشاه وعن شاوسيسكو، فأحدهم طاف الدنيا طريدا يبحث عن ملجأ آمن والآخر قتل وسحل مع عائلته تحت أقدام شعب غاضب تعرض للديكتاتورية والاستبداد. لقد أصبحت القاهرة الآن عاصمة المظاهرات والاحتجاجات والاضطرابات التي لم تقف عند حد العمال البسطاء أو عمال النظافة الذين يهددون بالإضراب هم الآخرون، ولكن وصلت حتى الأطباء، مما يعني أن مصر كلها على فوهة بركان. المشكلة لدى الأنظمة المستبدة أنها لا تدرك غضبة الشعوب ولاسيما حينما يعم الفساد وينتشر الجوع والفقر والمرض ويصبح الموت أحب إلى الناس من الحياة، حينها تقوم القيامة ويفيق النظام من الغيبوبة، ولكن بعد فوات الأوان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق