الثلاثاء، 2 فبراير 2010

المشروع الأعظم لحفظ التراث الإنساني

يعتبر الألمان أسياد المهنة في الأرشفة وعلم الفيلولوجيا والاستشراق وحفظ الوثائق بما فيها تراثنا، فقد علمتهم حروبهم المتصلة مع الجيران أن يحفظوا تراثهم من الضياع
رسالة في زجاجة وخلاصة الجنس البشري في كبسولة؟
الكل يذكر قصة غواصة الكابتن نيمو، تلك التي مثلها كيرك دوجلاس في قصة جول فيرن، عشرون ألف فرسخ تحت سطح الماء، قاصدا منها ليس العمق، فليس ثمة عمق في البحر يزيد على 11 كلم، بعد أن رسمت قيعان البحر أجمعين مثل خرائط الأرض والجوجول إيرث؟
إن مشروع فرايبورج يشبه جدا من طرف قصة زجاجة غواصة الكابتن نيمو حين أنقذ حياة العالم البيئي ومعه مساعده وبحار بالصدفة، والبحار هو من أرسل زجاجة فيها رسالة، يخبر العالم عن حقيقة الوحش الذي يصدم السفن برأس مدبب مثل السيف، فيغرقها إلى القاع! ولم يكن سوى أنف الغواصة..
ويقول عالم الثقافة بيزون بروك عن المشروع إنه كبسولة الثقافة الإنسانية لمن سيأتي بعدنا كما فعلت ناسا مع فيوجير الذي أرسلته إلى الفضاء الخارجي حاملا رسالة الأرض.
«إنها المخزن النهائي لتطلعاتنا الأبدية على صورة كبسولة مضغوطة؟»، وهي نداء للبشرية بأن يأخذ البشر دورهم المستقبلي كعلماء أركيولوجيا لاكتشاف ما فعله الأجداد؟ وهو ما يفعله علماء الأركيولوجيا في كشف طبقات الأرض وبقايا أجدادنا من بني الإنسان؟
في عام 1977م، أرسلت وكالة ناسا مركبتي فويجر مع كبسولة تعريف للكائنات خارج أرضية للتعرف علينا، فيها صورة امرأة ورجل بكامل العري حتى يهتدوا إلى تركيبنا التشريحي، فالعورة هنا ثقافة، ونحن ولدنا بدون عورة، وآدم أبونا وأمنا حواء من جاءنا بمفهوم العورة وتغطية السوأة، التي سميت سوأة، والبشر في الأدغال والأحراش وكهوف الفلبين من قبائل التاساداي مازالوا لم يحظوا بمفهوم العورة..
ومع الكبسولة صور لكل ما يمت بصلة إلى بني الإنسان: بيوتهم وعاداتهم ومراعيهم وحيواناتهم والنباتات والمروج والمريخ والشمس والقمر والمجرة واللغات واللباس والتقاليد، بما فيها العورة؟ وفيها الأصوات من كل صنف مألوف، فضلا عن موسيقى المشهورين، وسلام بـ55 لغة من جود مورننيج وجوتن تاج بالألمانية، وخوش جالدينز بالتركية، وبوينس دياس بالإسبانية، وخودي شترازيبه بالكردية؟
وطبعا، قائمة بالكذابين الأمريكيين من ساسة الكونجرس الأمريكي من وحوش الرأسمالية، بدل الفلاسفة والمصلحين والأنبياء والصالحين وحسن أولئك رفيقا..
حتى إذا اجتمع المسبار بكائنات عاقلة أفضل منا أن يتعرفوا على جنسنا المجنون الذي ما زال يتقاتل تحت شعارات إيديولوجية لا نهاية لها، بين حزب الله وحزب الشيطان، وكلاهما شيطان مريد..
ما أنقذ وما يمكن إنقاذه وما لا يمكن إنقاذه؟

يقول رئيس المهمة التاريخية (مارتين لوخترهاندت): نحن نعرف إمكانياتنا عما يمكن إنقاذه وما لا يمكن.
بل يجب الأخذ بعين الحسبان ما لا يمكن الوصول إليه، وما يفعل هو ليس للنخبة، بل هو في عمقه عمل اجتماعي تاريخي لإنقاذ الثقافة العالمية، إذا حمي الوطيس واشتد الجنون؟!
ومثلا، فدمار التراث الإسلامي على أيدي المغول أصبح للعِبْرة والعَبَرة (بالفتح)، كذلك الحال في الكثير من التراث الأندلسي الذي كان يحرقه الإسبان المتعصبون، وحين نرى ماذا فعل بمسجد قرطبة من حشوه بكنيسة، مثل الشوكة في اللحم، لا يصفه كل من رآه إلا بكونه عين الجنون؟
وأنا شخصيا، رأيت بعض المخلفات من عمل المسلمين في إسبانيا، وتعجبت من مزجهم للفكرة والصورة في علم الصيدلة، رأيتها كلها محفوظة في مكتبة الأسكوريال لحسن الحظ.
ومما رواه لي صديقي سفيان، الساكن في مدريد، أن شاحنة ضربت يوما بيتا قديما في مدينة بالنسيا، فانهدم الجدار لتطل منه بقايا مكتبة إسلامية عامرة، فقد احتار المسلمون أمام جنون القسسة والكرادلة والبابوات، فأودعوا الثقافة الإسلامية الجدران عسى أن يأتي ذلك اليوم الذي يقرؤون فيه ثقافتهم من جديد، وهو أمر لم يحصل قط، فقد حاصرهم الإسبان حتى النفس الأخير، وفي النهاية بعد أن تنصروا وصلّبوا على صدورهم، ولم يعودوا ينطقون العربية، وعمدوا أولادهم بماء الكنيسة، وأطعموهم القرابين والخمر فاستحالت أجسادهم إلى جسد ودم المسيح يقينا (كذا؟) لم ينفعهم كل هذا وصدر (فرمان) فيليب الثاني عام 1608 بتسفير كل (المورو)، وكل من كان جده التاسع عشر مسلما، فزحف ثلث إسبانيا على البطن، ومعهم اليهود على لحاهم، باتجاه المضيق من حيث جاء يوما طارق بن زياد، وحاليا في فاس ومكناس حين يقع النظر على الفتيات المغربيات الجميلات لا يخطر في بالك إلا الأندلس الضائع؟
وحين كنت في ألمانيا عام 1982م، أعلن عن خبر مفزع باكتشاف ألف هيكل عظمي في قبو كنيسة تعود إلى أيام المورو، بعض الهياكل في صورة مخيفة. وطبعا، قامت الدعاية الألمانية بترويج أنها من فعل المسلمين، ولا أعلم لماذا لم يحبسوهم في المساجد؟ والتاريخ يجب نبشه جيدا بأيادي خبراء محايدين. وأما إسبانيا، أم المحارق والمهالك والتعصب الكاثوليكي، فقد آثرت السكوت على الخبر، فقد انتهت الحروب الصليبية وما زالت سبتة ومليلية في قبضة أراغون وثاراجوثا..
ومن أعجب الأمور ما يرويه رئيس المشروع (مارتن لوخرهاندت) من أن جمهورية ألمانيا الشرقية الشيوعية اشتغلت على مشروع في غاية السرية للمخابرات (كما هو عند عصابات الجملوكيات كما رأيتها في وزارة الداخلية في دمشق في المرجة في 16 درجا تصل إلى السقف في أربعة صفوف، أي 64 درجا بعمق نصف متر مليء بكرتونات لآلاف المحجوزين والممنوعين من السفر والمطلوب إلقاء القبض عليهم؟ إلخ. يقابل الهرم السابق هرم أصغر مواجه له ورأيته مكررا في المطار ملصوقا على بوابة أحد الأدراج بخط غليظ قبيح.. جلبي، ولا أعرف بالضبط كم من عائلة جلبي مطلوبون، ربما حتى السلطان محمود جلبي العثماني الغازي؟!).
هذا المشروع الألماني الشرقي الذي رصد للشر وأعوانه وصرف عليه من الأموال الشيء الهائل، وبنظام أدق من الذي يعملون عليه في فرايبورج، وكان في الزاوية الجنوبية الغربية من برلين الشرقية في مدينة فيرش الصغيرة. ويقول لوخترهاندت إن ألمانيا الشرقية حين سقطت سقط معها كل نظام المعلومات الذي تعبوا فيه غنيمة باردة. وكان فيه من المعلومات وبنظام متقدم أفضل من أفلام البوليستر التي اشتغلوا عليها في فرايبورغ..
وكانت المحتويات شيئا مذهلا من عمل الرفاق الحزبيين؟؟

أنظمة أرشفة مشابهة للعمل الألماني في مشروع أوبرريد؟

يعتبر الألمان أسياد المهنة في الأرشفة وعلم الفيلولوجيا والاستشراق وحفظ الوثائق بما فيها تراثنا، فقد علمتهم حروبهم المتصلة مع الجيران أن يحفظوا تراثهم من الضياع، وهو ما فعله المشروع من حفظ وثائق القيصر كارل الأعظم، والقيصر هاينريش الثالث، والوثيقة الأصلية للقيصر فردناند الثاني، والأميرة آنا أماليا.. إلخ.. وخبرتهم من الحروب العالمية التي خاضوها وكم تكلف؟
ولقد حاول بريطانيون وأمريكان، طبعا، مضاهاة الألمان في هذا الجهد، ولكن ليس بطريقة التوثيق في الجبال الرواسي، وقرأت بالصدفة أن بعض الأمريكيين اقترح ما هو أشد بقاء من جبال الغابة السوداء؟ إحزروا أين؟ في القمر فهو أبعد حين تدمر الأرض فتصبح هباء منبثاً؟
مع هذا، فقد أنجز الأمريكيون تحفة تكنولوجية في جبل شيان في كولورادو، هو مشروع (نوراد) لمسح سقف الكرة الأرضية ولو من طير شارد، تحسبا لهجوم نووي، وما أدراك ما هو؟
كما حاول النمساويون فعلموا مركزا تعبوا عليه السنوات الطوال قريبا من بحيرة ألتاو، إلا أنهم ملّوا من المشروع فعافوه في عام 1996م بعد عظيم جهد وكثرة إنفاق؟
الوحيدون الذين يشبهون الألمان في الجلد والصبر هم السويسريون، فقد ابتنوا عشا في الجبال، لم يدخروا جهدا في ترميمه وحشوه بالمعلومات كما فعل الألمان..
ومما قرأت عن سويسرا أنها ابتنت مشافي كاملة داخل الجبال ليوم الفصل، وما أدراك ما يوم الفصل ويل يومئذ للمكذبين؟...
وهم يتفقدون هذه المشافي كل سنة مرة، للتأكد من صلاحيتها يوم القيامة النووية، وهدم المدن فوق رؤوس العباد؟
بل تناهى إلى سمعي أن كل جسور سويسرا المعلقة في الجبال ملغمة بطريقة سرية، فإذا أراد أحد احتلال بلدهم نسفوا الجسور، وقطعوا طريقه، والتهموه مثل الجبنة السويسرية المعفنة اللذيذة بأشد من شراهة جرذ جائع..
إن السويسريين جدا اقتصاديون وجدا عمليون وجدا محاربون..
قيل يوما لوزير يركب قطار الدرجة الثانية: لماذا ركبت الدرجة الثانية؟ أجاب: لأنه لا توجد درجة ثالثة؟!!
أما صاحبنا شيخ الإمارات فقد ابتنى لنفسه برجا بطرا ورئاء الناس، بارتفاع 818 مترا بـ160 طابقا ومديونية 45 مليار دولار..
كما فعل فرعون يوما فقال لهامان: ابنِ لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا..
يقول القرآن: وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب..
وجاء في الحديث أن من أشراط الساعة تطاول الرعاء في البنيان. وفي يوم رفع النمرود صرحا في بابل وقال لإبراهيم أنا أحيي وأميت، وفي القرآن أن الحضارات تنتهي مع كل أسباب البقاء فلا ترى منهم إلا بئرا معطلة وقصرا مشيدا، وفي الإنجيل الكبرياء يسبق السقوط المدوي. وحسب توينبي المؤرخ البريطاني فإن علة موت الحضارات هي الانتحار أكثر من الأعداء أو الضعف التكنولوجي أو الكوارث العارمة الخارجية.. والحضارة الفرعونية خسرت الرهان حين انتقل التحدي من الطبيعة إلى النفس، وكانت النفس في حالة استكبار فحبطت أعمالهم، فلا يقيم لهم التاريخ وزنا. وينزل حكم التاريخ مثل المقصلة على رقبة المنحرفين..
سأريكم دار الفاسقين..
سؤال جدي عن حفظ التراث العربي؟
والسؤال في نهاية البحث لو أراد العرب حفظ تراثهم في سجل من الخزي والعار والهزائم العسكرية في وجه بني صهيون، والديكتاتوريات الخانقة بانتخابات مزيفة، وجماهير كالقرود تهتف ضباحا بالدم بالروح نفديك يا أبو القرود؟ والحروب الأهلية في خرافات الشيعة والسنة، أو الانتحار الكامل فالكل يقتل الكل كما في حرب لبنان، التي دامت عشرين عاما، وكلفت مائة ألف أو يزيدون، واليوم السياسيون الكذابون يتصافحون كما تصافح الأموات في عالم القبور؟ أو سواطير الجزائر وتقطيع الرؤوس والأشلاء، كائنا من كان فاعلها، ومقتل خمسين ألف سوداني مسكين، في أحراش الجنوب في معارك أبيي وتوريت وجوبا وواو؟ بدعوى الجهاد في سبيل الله، ضد قرنق ليتصالحوا مع قرنق ثم يقتلوه ويمشوا في جنازته، المسكين؟ أو انقلابات الرفاق وبناء الجملوكيات وتآمراتهم وقتلهم بعضهم البعض، في انقلاب لمحاور الزمن والرجوع على الرأس القهقرى إلى العصر المملوكي أيام سعيد جقمق؟
والسؤال هل يستحق الحفظ مثل هذا التراث المقرف الذي يدعو إلى الغثيان والقيءْ؟
أعتقد نعم؟!
فهو يخلد حقبة من الصبيانية والطفولة السياسية، والعقم العقلي، والانهيار الحضاري، والإفلاس الأخلاقي، مما يجعل أحفادنا من بعدنا تحمر وجوههم خجلا حين يرون وجه جدهم القبيح..
فيقولون: حقا كان أجدادنا ديناصورات لاحمة؟ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق